وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق وخلق لهما أهلًا؛ فمن شاء منهم إلى الجنة فضلًا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلًا منه، وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصفَ المخلوق به؛ فهي مع الفعل؛ وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكين وسلامة الآلات فهي قبل الفعل إليها يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286).
وأفعال العباد خلق الله وكسب العباد، ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم، وهو تفسير: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، نقول: لا حيلة لأحد ولا حركة ولا تحوّل لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله، وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدًا، تقدس عن كل سوء وحَيْن، وتنزه عن كل عيب وشيْن، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الذين يجادلون في كتاب الله ويتنازعون في القدر:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ((خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يختصمون في القدر؛ فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب؛ فقال: بهذا أمرتم؟! أو: لهذا خلقتم؟! تضربون القرآن بعضه ببعض؟! بهذا هلكت الأمم قبلكم، قال: فقال عبد الله بن عمرو: ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المسجد وتخلفي عنه)).