والتغيير باللسان له مراتب، ينبغي على الدعاة مراعاتها، وترتيب الأولويات؛ وهذه المراتب هي:
الدّرجة الأولى: التّعرّف، والمراد به: أن يعرف الدّاعي المُنكَر ويُحدّد موقعه وفاعلَه، دون تجسّس أو تتبّع؛ فلا ينبغي أن يسترق السّمع على دار غيره لِيعْلم ما يجري فيها من المنكرات، ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبروه، فهذا ليس شأن آحاد الأمّة، إنما هذا يخصّ وليّ الأمر الذي يُخوِّل له الشّرع والقانون أن يتابع المنكرات ويتعرّف عليها بالتّتبع ونحوه.
الدرجة الثانية من درجات التغيير باللسان: التعريف، ويُقصد منه: تعريف مرتكِب المنكر بحقيقة جُرم ما ارتكبه، في أدب ولطف لاحتمال أنه فعَلَه لِجهل به، أو لكونه حديث عهد بإسلام، أو نشأ في قوم فشتْ فيهم البدع والخرافات. وإنما يجب على الداعية: أن يوضِّح الحُكم الشرعي فيما فعَله، ويُرشده بالحسنى.
الدرجة الثالثة: النهْي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى؛ وهذا يتمّ في شأن مَن يعلم أن هذا منكَر، وأن فعْله إثم. ويذكر له آيات الوعد والوعيد، وينقل له مشاهد يوم القيامة وما فيه من أهوال للعصاة.
وفي هذا المقام يُبدي الإمام أبو حامد الغزالي ملاحظة دقيقة يقول عنها:
"وها هنا آفة عظيمة ينبغي على -مُنكر المُنكَر- أن يتوقّاها؛ فإنها مُهلِكة، وهي:
أنّ العالِم يرى -عند التّعريف- عزّ نفسه بالعلْم وذلّ غيره بالجهل، فربما يقصد بالتعريف الإدلال وإظهار التمييز بشرَف العلْم، وإذلال صاحبه -أي: صاحب المنكَر- بالنسبة إلى خِسّة الجهل. فإذا كان الباعث هذا، فهذا المنكَر أقبح في نفسه مِن المُنكَر الذي يعترض عليه. ومثال هذا المُحتسِب مِثال مَن يخلِّص غيره من النار بإحراق نفْسه، وهو غاية في الجهل. وهذه مزلّة عظيمة، وغائلة هائلة، وغرور