بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي عشر
(من خصائص الدعوة الإسلامية)
1 - الآثار السيِّئة التي تلحق بالمسلمين من جرّاء التقاعس عن تبليغ الإٍسلام ونشْره
مِن خصائص الدّعوة الإسلامية (أ)
فقد تناولنا في المحاضرة السابقة: تعريف الدّعوة إلى الله، وبيّنّا مدى حاجة البشَر إليها، وأنه لا بديل عنها لسعادة الخلْق، ثم حُكْم تبليغ الدّعوة، ومتى تكون فرْض عيْن أو فرْض كفاية؟ وبعد أن وضّحنا الآثار السيئة التي تعود على المسلمين والعالَم بأسره، حينما تقاعسنا وتخاذلنا عن الدعوة إلى الإسلام، نستكمل هذه المحاضرة ببيان خصائص الدّعوة إلى الله التي ينفرد بها وحْي السماء ورسالات الأنبياء. والإسلام بهذه الخصائص يتقدّم مسيرة الحياة بفكر واضح، وعقيدة ثابتة، ومنهج متميِّز فريد، يرفض التقليد ويأبى التّبعية.
وإنّ اختيار مكّة المكرّمة مهداً ونشأةً وبعثةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي كما وصفها إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (إبراهيم:37).
فقد كانت مكة المكرمة بعيدة عن الحضارتيْن المؤثِّرتيْن في العالَم حينذاك، وهي: الحضارة الفارسية والرومانية، ممّا يوحي بخصوصيّتها واستقلالها، وعدم تأثّر الدعوة بما يدور في جوانب العالَم الأخرى. وهذه الخصوصية والاستقلالية اتّسمت بها الدّعوة إلى الإسلام، واتّصف بها المسلمون في كلّ زمان ومكان.
وهذا ممّا يُقلق الأعداء ويثير غيظهم وحقْدهم: أنّ المسلم ثابت المعالم، مميّز الشخصية، متفردٌ في عقيدته، وحيدٌ في سلوكه، لا نظير له في العبادة والأخلاق والمعاملة، يحتمي بدينه ويعتصم بمعتقداته، ويعتز بتاريخه، ويسابق الموت طلباً للشهادة دفاعاً عن إسلامه. ومن ثَم عمَد أعداء الإسلام للنّيل من هذه الخصائص الإسلامية، بالاستعمار العسكري أحياناً، وبالغزو الفكري أحياناً أخرى، وبعملائهم من بعض أبناء المسلمين الذين تربّوْا على موائد الاستشراق والتبشير والاحتلال.
وإنّنا إذْ نضَع بين أيدي الطّلاب والدّعاة خصائص الدعوة إلى الله، ليزداد إيمانهم بالإسلام، ويعظم حفظهم له ودفاعهم عنه. ولقد تحدّث القرآن الكريم عن