بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
(أسباب استمرار الدعوة وبقائها)
1 - أسباب استمرار الدّعوة وبقائها
الصِّراع بين الإنسان وأخيه الإنسان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وأصحابه مَن اهتدى بهدْيه إلى يوم الدِّين. وبعد:
كلّ شيء في جِسم الإنسان له طَاقة تَتحرّك بقَدر، ولا تَستوعب أكثر من قُدراتها، ولا تَتجاوز المَوازين الدَّقيقة التي خَلقها الله لأداء مَهامِّها في الجسم. فالأكل والشّرب والتّنفس له حُدود لا يتعدّاها. والكُرات الدموية والخلايا، والأنسجة والأعصاب، ومُعدّلات السُّكر والضَّغط ودقّات القلب، لها نِسب مُعيّنة مُنضبطة لا تَزيد ولا تَنقص. أمّا آمال الإنسان وطُموحاته وأحلامه فليس لها حدٌّ تَقف عِنده. ولقد وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- طَبيعة النفس البشرية، في الحِرص على المال وجَمْعه والاستزادة منه، فقال ما معناه: "لو أنّ لابن آدم وادياً من ذهبٍ لتمنى ثانياً، ولو كان له ثان لتمنّى ثالثاً. ولن يَملأ جَوف ابن آدم إلاّ التراب. ويَتوب الله على مَن تاب"، رواه البخاري.
قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14).
وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد:20).
فالدنيا تَتزيّن للناس بمباهِجها، وتَستثيرهم بزخارفها، وتَحثّهم على التَّكالُب عليها والتَّنافس والتَّصارع في الاستحواذ عَليها.
وكلّما شَعر الإنسان أنّ حَياته في هذا الكَون قَصيرة، وأنَّ عُمره في الدنيا محدود، وأنّ آماله وأطماعه ليس لها حَدّ، اشتد لَهيب العِراك والتقاتل بين البَشر.