نام کتاب : مقالات موقع الدرر السنية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 363
وبناءً على ذلك فنحن بحاجة دائمة إلى دعوة الإنسان لتحرير عقله من تلك المفاهيم الزائفة، وإلى إحداث نوع من الوعي بالمفاهيم الإسلامية المحْكَمة، وبثِّ الروح من جديد في هذه المفاهيم.
وأحد تلك المفاهيم الخصبة الأصيلة في الفكر الإسلامي، هو مفهوم (التجديد)، وهو من المفاهيم التي أحدثت كثيراً من الجدل في الوسط الفكري في القديم والجديد، وقد يكون من أسباب ذلك الإجمال الذي يكتنف لفظ (التجديد)، وهذا ما جعله عُرْضة لأن تختلف المناهج في معالجته تبعاً لاختلاف فكر أصحابها، حتى تمكَّن بعض دارسيه من استخدامه لتغيير معالم الدين بدعوى تجديده؛ لكن هذا المفهوم يحفزنا نحو تجديد الرؤية في الموضوعات التي نتطرق إليها تجديداً ملتزماً بمحكمات الشريعة ومبادئها، وهذا ما يجعلنا مطالَبين على نحو دائم بتجديد طريقة تناولنا لكثير من القضايا التي تشغل هذا الواقع المتجدد. وليس المقصود هنا البحث في هذا المفهوم، وإنما تسليط الضوء على جانب من جوانبه فهو يُستخدَم على مستويات عديدة وفي مجالات مختلفة، يعنينا منها في هذا المقال التجديد على الصعيد الفقهي؛ أي: (تجديد الفقه)، والمقصود من الحديث حول هذا المفهوم محاولة نقل مركزية الحديث من حقل تجديد الفقه إلى حقل تجديد الفقيه؛ وهو حامل هذا الفقه. وموجب هذا النقل أن مَنْ يتابع المعالجات المُحْكمة التي طُرحت لنقاش هذا الموضوع يرى اقتصارها على جانب واحدٍ من جوانبه؛ وهو جانب تجديد العلم نفسه، في حين أن ثمة جوانب أخرى ربما لا تَقِل أهمية عن سابقتها غاب الحديث عنها أو كاد، ومنها الحديث عن تجديد (الفقيه)؛ أي: إعادة النظر في وسائل إعداده وتأهيله.
وإن عملية نقل مركز الحديث نحو تجديد الفقيه لا تعني القطيعة مع مفهوم تجديد الفقه، ولكنها تعني بشكل أساسي توسيع مساحة البحث في جوانب أخرى مهمة في هذا الموضوع.
لماذا تجديد الفقيه؟
في وقت تعقدت فيه مسائل الفقه الواقعية نظراً لتعقُّد الواقع وتشابكه وتداخله، أصبح من الضروري إعادة هيكلة المحاضن التربوية والعلمية التي تصنع الفقيه؛ فلم تَعُد إشكالية هذا الموضوع تنحصر في جانب العلم نفسه وتجديد أساليبه وموضوعاته؛ بل تجاوزت ذلك إلى الفقيه الجديد ونمط تنميته وتطويره. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «وربَّ حامل فقه وليس بفقيه» [1] إلى التفريق بين الفقه نفسه وبين حامله؛ وهو ما يعني أن حَمْل الفقه لا يُلبِس صاحبَه لقب (الفقيه).
لقد أصبح كافياً في وعي كثيرين أنه حتى يتسمى الدارس باسم (الفقيه)، وحتى يباشر الحديث حول القضايا الفقهية، لا بد أن يضبط جملة الفروع الفقهية من بعض الكتب المختصرة، ويستحضر أدلتها، ويعرف الراجح فيها وبذلك يحظى بأن يكون واحداً من الفقهاء، وبسبب هذا النمط من التفكير قلَّت العناية بالبرامج التدريبية العملية لتمنية الفقيه وتطويره. يقول الطاهر بن عاشور في وصف هذه الحال: «وكان معنى العلم عندهم: هو سعة المحفوظات - سواء من علوم الشريعة أم من علوم العربية - فلا يعتبَر العالم عالماً ما لم يكن كثير الحفظ، وليس العلم عندهم إلا الحفظ؛ لأنهم كانوا يميلون إلى شيء محسوس مشاهَد في العالِم؛ ومن المعلوم أن الذكاء والنباهة لا يشاهَد لأحد» [2]. [1] أخرجه الترمذي. [2] أليس الصبح بقريب، ابن عاشور، (ص: 46).
نام کتاب : مقالات موقع الدرر السنية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 363