نام کتاب : مقالات موقع الدرر السنية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 420
أو يكون فيه شهوة بغي وانتصار للنفس، تظهر حال مساجلته لأقرانه، فينتصر لنفسه بمخالفة منهجهم ولو كان حقاً؛ لمجرد أنه يريد مناكفتهم فيه، والانتقام منهم، وهو في واقع الأمر لا ينتقم إلا من نفسه، والانتصار للنفس سبب للذل وضعف الانتصار للحق.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها، فنضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات، أو كما قال، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك. [1] ففساد القلب وزيغه إنما يكون بسبب شبهة أو شهوة يستسلم لها العبد فيسلب التوفيق، ويحيق به الخذلان، ويعاقب على تقصيره في تحصين قلبه، واستسلامه لوارد الشبهة أو الشهوة، وقد قال الله تعالى في المنافقين {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا} [البقرة:10] وقال سبحانه في اليهود {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [الصَّف:5] وقال عز وجل في المؤمنين الذين دافعوا وارد الشبهات والشهوات {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22]، وكما لا يمكن للإنسان أن يصعد سلماً ثم يجد نفسه في القبو، فلا يمكن أن يترقى في الإيمان واليقين، ويجاهد في صلاح قلبه ثم يجد نفسه زائغاً منحرفاً عن الحق مفارقاً أهله؛ فإن عدل الله تعالى وحكمته ورحمته تأبى ذلك، قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب الوراق، قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم، قال: إنه رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق. [2] السبب الرابع: الانفصام بين الظاهر والباطن، ثم اليأس من رحمة الله تعالى، وذلك بأن يكون العبد مقيماً على معصية لم يستطع الانتهاء عنها مع محولاته المكرورة، ولا سيما إذا كان ذلك مما يتعلق بالشهوات، فيقذف الشيطان في قلبه أنه منافق؛ إذ كيف يقيم على هذه المعصية، ويخفيها عن مشايخه وأقرانه، ويظهر أمامهم بمظهر أهل الاستقامة والتقوى، ولا يزال هذا الصراع في قلبه إلى أن ييأس من الإقلاع عن معصيته، ويرى أنه لا يمكن أن يصاحب الأخيار وهو على هذا الحال، فيتنصل منهم شيئاً بعد شيء، ويتخذ رفقة أخرى لا ضير أن يبوح لهم بسره، ويظهر معصيته أمامهم، ويظن أنه ارتاح من تأنيب ضميره.
ولو علم المسكين أن تأنيب قلبه له الذي يجده وهو مع الأخيار خير له من مفارقتهم، فهو دليل على حياة قلبه، وعلى بقاء النفس اللوامة، أما مفارقته لهم، وإظهاره لمعصيته، وانقلاب حاله فهو إماتة للنفس اللوامة، وتسليم قياده للنفس الأمارة بالسوء. [1] مفتاح دار السعادة: 1/ 140. [2] رواه المروزي في الورع (5) وينظر جامع العلوم والحكم: 95.
نام کتاب : مقالات موقع الدرر السنية نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 420