الإسلام. ومثل ذلك قل في الأدب العربي والأوربي والعلم العربي والأوربي كل ثقافته العربية في كتاب القواعد وأدب اللغة للمدارس الثانوية أن كان قد بقي منها شيء في ذاكرته.
هاتان الطائفتان عندنا، يمثل الأولى خريجو الأزهر ودار العلوم ومدرسة القضاء، ويمثل الأخرى نوابغ خريجي المدارس العصرية والبعثات الأوربية. أما الذين حذقوا العربية والعلوم الإسلامية ونالوا حظا وافرا من الثقافة الأجنبية فأولئك هم الحلقة المفقودة في مصر، وفقدانها سبب الركود في الحياة العقلية والأدبية.
ذلك أن الأولين إذا أنتجوا فعيب إنتاجهم أنهم لم يستطيعوا أن يفهموا روح العصر ولا لغة العصر ولا أسلوب العصر، وإنما التزموا التعبير القديم في الكتابة، والنمط القديم في التأليف، وتحجرت أمثلتهم ومل الناس بلاغتهم، وعمادها رأيت أسدا في الحمام وعضت على العناب بالبرد، وعشرة أمثلة من هذا الطراز. ومل الناس نحوهم ومداره ضرب زيد عمرا ورأيت زيدا حسنا وجهه، وسئم الناس منطقهم، وكله الإنسان حيوان وكل حيوان يموت فالإنسان يموت وهذا حجر وكل حجر جماد فهذا جماد. ضجوا بالشكوى لأن الناس لا يسمعون منهم، وضج الناس بالشكوى لأنهم لا يأتون بجديد ولا يضعون القديم في شكل جذاب، ولا يلمسون الحياة التي يحيونها ولا البيئة التي يعيشون فيها فانصرفوا عن الناس وانصرف الناس عنهم ورضوا أن يعيشوا في جوهم الخاص ورضى الناس منهم بذلك وسلكوا سبيلا غير سبيلهم واتبعوا دليلا غير دليلهم.
وأما الآخرون فضعفت ثقافتهم العربية الإسلامية، فلما أرادوا أن يخرجوا شيئا لقومهم أمتهم أعجزهم الأسلوب والروح الإسلامي. فلم يستطيعوا التأليف ولا الترجمة وحاولوا ذلك مرارا فلم يفهم الناس منهم ما يريدون وسبوا القراء ورموهم بالضعف والانحطاط، وسبهم القراء ورموهم بالعي وانهم لا يفهمون ما يكتبون فعاشوا في أنفسهم ولأنفسهم ورضوا من الغنيمة بالإياب.
كان من نتيجة ذلك أن الأدب العربي الإسلامي والعلم العربي الإسلامي والفلسفة العربية الإسلامية على غناها ظلت دفينة لا ينتفع بها، تنتظر جبلا جديدا يسيغها ويهضمها ويبرزها في شكل تألفه الناس، وأن الأدب الغربي والعلم الغربي والفلسفة الغربية حرم منها أكثر