نام کتاب : مجلة البيان نویسنده : البرقوقي جلد : 1 صفحه : 5
امتلائها بالطيبات والمحاسن بحيث لا يكاد المرء يلم ببعضها ماشيا الهوينا فماذا عساه يدرك منها طائراً بأجنحة البرق أو جامحاً في عنان البخار فلا يحسب الماديون أنهم استعبدوا الزمان والمسافة بمخترعاتهم فإن المسافة والزمن يأبيان بطبيعتهما الاستعباد ثم لا حاجة بالإنسان إلى استعبادهما إنما الحاجة والثمرة حسن تصريفها ومن ذا يرغب في تقصير الزمن والمسافة إلا أحمق فأما العاقل فيود لو طالت له المسافة والوقت نعم ويحب الأحمق أن يقتل الزمان والمسافة ولكن رغبة العاقل في أن يحرزهما ليحييهما وما السكة الحديدية إن فكرت إلا أداة يراد بها تصغير الدنيا ثم لا بأس على المرء إن كان حراً مخلصاً أن يسير على مهل لأن مجده ليس في السير إنما هو في العمل فإذا قال قائل القطار نافع لأنه يعيننا على نقل العلم والعرفان إلى الأمم المتوحشة قلنا له قد صح قولك لو كان لديك علم ينقل أما إذا لم يكن لديك سوى السكك الحديدية والبخار والبارود فماذا تصنع أتزعم أنك تريد نشر الدين بين التوحشين. ولو كان ذلك غرضك لقد أمكنك تنفيذه بلا بخار مدة ألف وثمانمائة عام أي منذ ظهور النصرانية إلى وقت اختراع القطار غير أني رأيت أحسن التعليم الديني ما أحدثه أهله على القدم ولعل القدم في مثل هذا الأمر أسرع من القطار. أو تزعم أنك تريد تعليم المتوحش العلم - علم الحركة والطعام والدواء - فهبك لقنته سر البخار فطار بعجلاته وسر الأكل فأجاد السلق والشي والخبز وسر الطب فعرف كيف يأسو الجرح ويجبر الكسر فماذا بعد ذلك؟ أتراك بعملك هذا قد أدنيت المتوحش خطوة من السعادة أو قربته قيد شبر من المدنية الصحيحة. كلا. بل إن أسباب السعادة أقرب إلينا من كل هاتيك الأشياء ولكنا لا نفقه ولا نبصر ووالله ما أبعدنا عن الصواب حين نحسب أن المدنية والسعادة هما في مناعم الخوان واللباس وفي ملاذ الصيد والسباق وفي مسرات الحفلات الليلية وما بها من الغناء الممل المضجر والملابس المثقلة المتعبة وفي التنافس في المنصب والسلطة والثراء والصيت وما أبعدنا عن الصواب وأضلنا عن الجادة حين نظن أن مثل هذه الحقائر هي مما يجوز لنا أن نفخر بإذاعته بين الشعوب المتوحشة والأمم البربرية.
ولعل المتوحش حين يتعهد غرسه ... ويجتذب على المحراث والمعول نفسه
ويصبو إلى حبيبه كلفا ويحن إلى عهد الصبا شغفاً ويملأ صدره رجاء ويتهل إلى ربه دعاء
نام کتاب : مجلة البيان نویسنده : البرقوقي جلد : 1 صفحه : 5