نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 159
واتبعوا فارتفعوا. ونحن ... فقد آمنا إيمانًا معلولًا، واتبعنا اتباعًا مدخولا. وكل يجني عواقب ما زرع. ثم أدركتها الرهبة فلجأت إلى الابتهال فالتقى اللسان والقلم على هذه الآية:
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}
أما أن المسلمين الأولين سعدوا بالقرآن واتباع الرسول فهذا ما لا مراء فيه، وهو الحقيقة العارية التي جلاها التاريخ على الناس من جميع الأجناس، وزكاها بشاهدين من آثار العلم ونتائج العقل. فإن احتمل أن يجهل هذه الحقيقة جاهل فهم سواد المسلمين قبل غيرهم. وإن وقف باحث عند الظواهر السطحية وقال: سعدوا بالاتحاد مثلًا قلنا له: وما الذي وحدهم بعد ذلك التفرق الشنيع غير القرآن؟ أو قال قوم: استيقظت فيهم عواطف الخير ونوازع الشرف حين ماتت في الأمم فسادوها وقادوها، قلنا له: نعم. ولكن ما الذي أيقظ فيهم تلك العواطف وتلك النوازع وما هم إلّا ناس من الناس، بل قد كانوا قبل القرآن أضل الناس. وليسوا من جذم واحد حتى تتقارب فيهم النوازع الجنسية التي يتوارثها أبناء الجذم الواحد ويترابطون بها وسهل استيقاظها فيهم فجأة. لأننا لسنا نعني بالمسلمين الأولين العرب وحدهم، وإنما نعني بهم الأمم التي دانت بالإسلام في قرونه الأولى، تربت في كنف القرآن وتحت رعايته، وطبعت على غرار الهدي المحمدي. فحرر القرآن أرواحها من العبودية للأوثان الحجرية والبشرية، وحرر أبدانها من الطاعة والخضوع لجبروت الكسروية والقيصرية، وجلا عقولها على النور الإلهي فأصبحت تلك العقول كشافة عن الحقائق العليا، وطهر نفوسها من أدران السقوط والإسفاف إلى الدنايا، فأصبحت تلك النفوس نزاعة إلى المعالي مقدمة على العظائم. وحدد لها لأول مرة في التاريخ صلة الروح بالجسم ومدى تعاونهما في التدبير، وكيفية الجمع بين مطالبهما المتباينة، وعلمها لأول مرة في التاريخ كيف يستغل الإنسان استعداده وفكره، ففتح أمامه ميادين التفكر والاعتبار، وأمره أن يسير في الأرض ويمشي في جوانبها ويتفكر في ملكوت السماوات والأرض. وقد كان الناس قبل القرآن على جهل مطبق بهذا (الاستعمار الفكري) حتى بينه القرآن الكريم، ووضع قواعده، وأرشدها لأول مرة في التاريخ أن الإنسان أخو الإنسان لا سيده ولا عبده، وأنّ فضله في المواهب، وأن تساوي الناس في استعمار الأرض تابع لتساويهم في النشأة، وهذا تقرير لمبدإ المساواة وهو المبدأ الذي لم يسبق الإسلام إليه سابق، ولم يلحقه فيه لاحق، وإن زعم المتبجحون ...
بهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوس بأصحابها تفتح الآذان قبل البلدان، وتمتلك بالعدل والإحسان الأرواح قبل الأشباح، وتعلن في صراحة القرآن وبيانه حقوق الله على الإنسان، وحقوق الإنسان في ملك الله، وحقوق الإنسان على أخيه الإنسان. إنّ الذي صنع هذا كله- وأبيك- للقرآن.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 159