نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 162
والرجوع إليه وحده فيما يعلو كسب البشر، ومن بث التآخي بين الناس وعدم استعباد بعضهم للبعض، ومن الأمر بالخير والنهي عن الشر، ويخبرنا أن من وصايا الله الجامعة لتلك الأمم على ألسنة رسلها هي أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وأن تلك الأمم لم تحفظ وصية الله فتفرقت في الدين شيعًا، وجعلت السبيل الواحد سبلًا، واختلفت في الحق من بعد ما جاءها من العلم والبينات فقامت عليها الحجة وحقت عليها كلمة الله وكان عاقبة أمرها خسرًا.
والقرآن يبدئ ويعيد في هذا الباب ويقص علينا من مبادئ بني إسرائيل ومصائرهم ومواردهم ومصادرهم ما فيه مزدجر، كل ذلك لنعتبر بأحوالهم، ولا نسلك الطريق الذي سلكوا فنهلك كما هلكوا.
ولم يأل نبينا - صلى الله عليه وسلم - أمته نصحًا وابلاغًا في هذا الباب، وكيف لا وقد أنزل عليه ربه {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} فكان أخشى ما يخشاه على أمته أن يدب فيها داء الأمم قبلها فتختلف كما اختلفت، وتتفرق في الدين كما تفرقت.
وقد وقع ما كان يخشاه - صلى الله عليه وسلم -، فتفرقت أمته في الدين ولعن بعضها بعضًا باسم الدين، وأكل بعضها مال بعض باسم الدين، وانتهكت الأعراض والحرمات باسم الدين، واتبعت سَنَنَ من قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع.
ولم تنتفع بتلك العظات البالغة والنذر الصادعة من كلام الله وكلام رسوله، حتى حقت عليها الكلمة وصارت إلى أَسْوَإ حال من الخزي والنكال.
ولعل لتلك الأمم الكتابية ما يشبه العذر في المصير الذي صارت إليه لضياع كتبها التي هي منبع الهداية بين التحريف والتبديل والنسيان والتأويل. أما هذه الأمة فإن حبل الله المتين فيها ممدود، وباب الفقه فيه مفتوح غير مسدود، ووارد منهله العذب غير مُحَلَّإٍ ولا مطرود. ولكن تناوله أولهم بالتأويل، وآخرهم بالتعطيل حتى اتخذوه مهجورًا، وجعلوا تفسيره وفهمه أمرًا محظورًا، فحرموا ما فيه من شفاء ورحمة، وعلم وحكمة، وبلاغ وبيان، وهدي وفرقان، ونور وحياة، وعصمة ونجاة، وباقيات صالحات، فلم يزالوا لاهين بالانتساب الصوري إليه، حتى دلتهم حوادث الدهر عليه، فاستشعروا- وهم بين براثن من السباع البشرية تتخطف، وصوالجة من الأمم الغالبة تتلقف- غيبة هاديه الذي كان يهيب بالأرواح إلى العز، وفقد حاديه الذي كان يسوق النفوس إلى الكرامة، واختفاء نوره الذي كان يجلو البصائر ويزيل الغمم. فأقبلوا يتلمسونه، وانثالوا عليه يتحسسونه، يرجون منه ما يرجو المدلج الحيران من انبلاج الفجر، وراعي السنين الغبر من انْهلال القَطْر، وقد قوّى أملنا في رجوعهم إليه وإقبالهم عليه ما نراه من اصطباغ الحركة الإصلاحية الحديثة بالصبغة القرآنية، فهي سائرة إلى غايته، داعية إليه، مرشدة به، مستدلة بآياته، به تصول وبه تحارب، وعليه تحامي،
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 162