نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 246
إخفائه، إلى أن جاءت نتيجة الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة بفوز أحزاب الجبهة الشعبية، فارتفع صوت الأمة الجزائرية بالمطالبة من جديد وحدثت فكرة المؤتمر.
سرّ تعليق الآمال على الجبهة الشعبية
يهرف الجاهلون بحقيقة المسلم الجزائري أو المريدون به شرًّا بكلمات لا قيمة لها في تأويل المظهر الذي ظهر به الجزائريون من تعليق آمالهم وإعلان ثقتهم في الجبهة الشعبية، ويفسّرون هذا المظهر بأنه اتجاه حقيقي نفساني نحو الاشتراكية المتطرفة أو الشيوعية، وهو تفسير خاطئ بعيد عن الحقيقة. فإن المسلم الجزائري قد أقام الأدلة التاريخية على تصلبه في جزائريته وإسلامه، وعلى أنه ليس من السهل على الأحداث أن تكيّفه بغير كيفيته التي طبعها عليه دينه ومقوّماته. وهو بعد شكور على الإحسان لأول ما يرى مخايله، وقد تعاقبت على فرنسا في عهدها الأخير حكومات تنتمي إلى أحزاب، فلم تر الجزائر من جميعها بارقة خير ولا مخيلة إحسان ولو بالقول، ولا شفقة عليها ولا رحمة بها ولا رثاء لحالها، بل كانت على العكس من ذلك ترى من تلك الحكومات المتعاقبة زيادة في الإرهاق وإمعانًا في العسف، وتسمع عبارات التهديد والوعيد صريحة فصيحة، وقد تسمع في بعض الأوقات الوعود المعسولة فتبادر بالشكر المضاعف ثم لا تكون النتيجة على طول الانتظار والصبر إلا الخيبة وتجرع مرارة الإخلاف.
فلما فازت الأحزاب الشعبية، ومبادئها الإنسانية معروفة لجميع الناس، وبادرت بالإعلان بلسان صحفها والإفصاح عما تبيّته للشعب الجزائري من إصلاح سياسي واجتماعي، وما تضمره له من خير ورحمة هو أهل لهما، وَاحْتَفَّ بتلك التصريحات والوعود ما دلّ على أنها ليست من جنس الوعود السالفة التي لم ينجز منها ولا واحد. لمّا وقع كل ذلك، كان من المعقول جدًا أن يكون هوى المسلمين الجزائريين مع الجبهة الشعبية وميلهم إليها وأن يقابلوا الخير بمثله، خصوصًا وقد كانت تلك التصريحات والوعود من أحزاب اليسار مصوغة في قالب يقتضي العطف على الشعب الجزائري والاعتراف بجميله وأهليته لتلك الحقوق، ويا ما أشرف عرفان الجميل إذا كان متبادلًا بين الطرفين.
إن من خصائص هذه الأمّة الجزائرية عرفان الجميل لأهله ومكافأة الإحسان بالإحسان، وهي خلال طبعها عليها دينها. وقد سمعت من أحزاب اليسار وعودًا جميلة عريضة، فقابلتها بشكر جميل عريض طويل، ثم هي تنتظر فإن خرجت تلك الوعود إلى حيّز الإنجاز جعلت الشكر عليها وقفًا والإخلاص كفاءً، وإن خابت الظنون في هؤلاء كما خابت فيمن مضى قبلهم لجأت إلى الصبر والثبات كعادتها في النائبات، ولا تيأس من روح الله ولا تسمّي الأشياء بغير أسمائها فتقول للمسيء أحسنت وللكاذب صدقت.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 246