نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 248
لم يكن بين الدعوة إلى المؤتمر وبين عقده إلا أيام قليلة فلم تنظّم له دعايات واسعة
كما هو الشأن في المؤتمرات الخطيرة، بل كان الاعتماد فيه على إحساس الأمة واتجاهها الصادق إلى المطالبة بحقوقها أكثر من الاعتماد على الدعاية والإعلان.
وكل ما وقع من الأعمال التمهيدية انعقاد لجان تحضيرية من الشبّان والعمّال ورجال الصنائع والفلّاحين وقدماء المحاربين، في قسنطينة والجزائر وتلمسان وبعض مدن القطر، لتنظيم المطالب الخاصّة المتعلّقة بهذه الهيئات ولإعانة المؤتمر على أعماله العامة. ولو تراخى الزمن وانفسحت المدة بين الدعوة إلى المؤتمر وبين عقده لكان المظهر أروع، والعديد أكثر.
ولعلّ بعض الناس يرى من الحكمة أن لو تأخّر انعقاد المؤتمر مدة عن الدعوة حتى تعدّ له العدد اللازمة، وحتى تدرس المطالب وتختمر الآراء، وتتقارب وجهات النظر، إذ ليست المطالب الجزائرية من الأمور الهيّنة التي لا يضرّ وقوع الغلط فيها، بل هي في حقيقتها بناء مستقبل الأمة بأسرها، وان غلطة واحدة في تلك المطالب لتؤدّي إلى تجرّع الأمة مرارتها أحقابًا.
والجواب عن هذه الملاحظة التي سمعناها بآذاننا من بعض أولي الرأي، ان السبب الأكبر الداعي إلى التعجّل بالمؤتمر أقرب إلى الحكمة من هذه الملاحظة على سدادها، وهذا السبب هو مسابقة الحوادث العائقة، والمفاجآت الطارقة التي قد تعرقل المؤتمر وتبطئه، أو تفسده وتبطله، وأقلّ ما يترتب على هذا من المفاسد تفسخ العزائم وفشل الإرادات وانتكاث القوى، وما أكثر هذه الطوارئ في هذا الوطن، وما أكثر العاملين على هدم المشاريع، فما عسى أن يكون في التعجّل من أخطاء موهومة لا يوازن بما ينشأ عن التأخّر من أخطار محققة، على أن من مبررات التعجّل أيضًا انعقاد المؤتمرات على أثر تشكيل الوزارة الجديدة وهو مبرر له مغزاه.
ولعلّ هذه الملاحظة لا تندفع إلا إذا حلّلنا المطالب الجزائرية بعض تحليل، ذلك أن هذه المطالب ترجع إلى أصلين: مفاسد تدرأ ومصالح تجلب. وقد تستقلّ إحداهما عن الأخرى وقد تتلازمان، فإذا طلبنا إلغاء (الانديجينه) [1] مثلًا فقد طلبنا درء مفسدة محققة لا يتنازع فيها اثنان من غير أن تترتّب على درئها مصلحة إيجابية.
وإذا طلبنا إلغاء قرار شوطان القاضي بتعطيل الصحف العربية قبل بروزها، فهذه مفسدة يترتّب على درئها مصلحة إيجابية وهي حرية الصحف العربية، فنكون قد حصلنا على فائدتين: درء مفسدة وجلب مصلحة. وهكذا يقال في حرية الفكر والاجتماع والتنقّل وفتح
1) كلمة فرنسية ( indigenat) معناها "الأهالي"، ويطلقها الفرنسيون على الجزائريين احتقارًا لهم. وقانون الأنديجينة صدر في سبعينيات القرن الماضي، لا يطبق إلا على الجزائريين، وهو أبشع القوانين المعروفة في العالم وأقساها.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 248