نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 316
وُلِدَ الْهُدَى فَالْكَائِنَاتُ ضِيَاءُ … وَفَمُ الزَّمَانِ تَبَسُّمٌ وَثَنَاءُ
قرأتُ هذا البيت ووقفت عنده أتأمّله وأستجلي معانيه، فمَحا كل ما في نفسي من آثار تلك المبالغات، بل محا كل ما في ذاكرتي من جميع ما قرأته من القصائد المولدية، وكشف لي هذا البيت الواحد عن سرّ عظمة هذه الليلة وفضلها على الليالي.
وإن من يحب أن يستجلي حقيقة هذه الليلة يجب عليه أن يستعرض تاريخًا كاملًا هو تاريخ البشرية قبل الإسلام بجميع أجناسها ولغاتها وعاداتها وأديانها وأنظمها في الحياة ومذاهبها في التفكير وموازين العقل عندها، فإذا هو فعل ذلك ووازن بين ذلك الطور الكامل وبين الطور الذي انتقلت إليه البشرية بعد الإسلام بسبب الإسلام، حينما زحف أبناء الجزيرة على الشرق والغرب يحملون هَدْيَ الإسلام وعدله وميزانه وأخلاقه وعقائده وفرقانه، ويعملون على نشرها بين الأمم وتثبيتها في النفوس، إذا هو فعل ذلك عرف- مثلما عرفتُ- سرّ عظمة هذه الليلة، وذكر - مثلما ذكرتُ- من الفروق بين ماضي البشرية قبل الإسلام وبين مستقبلها بعد الإسلام، وعرف أن القافلة الإنسانية ما زالت منذ آدم تتخبّط في ظلمات من الجهل والشرّ والفوضى، تسير فلا تسير إلّا إلى الهلاك، وتقيم فلا تقيم إلّا على الضيم، وطالما ارتفعت أصوات الحق في أطرافها من المرسلين والحكماء، فضاعت تلك الأصوات بين غوغاء الباطل، أعظلت أمراضها، وعجز أطبّاؤها، واستفحل الشرّ بين أفرادها، وتخاذل العقل أمام الوهْم، وتهافتت الحقائق أمام الشبَه، وطغت الحيوانية بما فيها من تكالب ونَهَم وغرائز سافلة، فجاء العدوان والظلم والتناحر والقتال والمطامع. فكانت على كل ذلك في أشدّ الحاجة إلى هادٍ يهديها إلى سبيل الحق وإلى حام يحميها من عدوان الباطل، وكان من قدر الله أن يكون ذلك الهادي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ودينه الإسلام، وكانت ليلة الميلاد بذلك غرّة في الليالي الدُّهم.
أيها السادة،
إن بيت شوقي يصوّر الحالة السائدة في العالم قبل الإسلام وأنها ضلال في ضلال وظلام في ظلام، وكذلك كانت هي، ويصوّر ولادته - صلى الله عليه وسلم - ولادة للهدى الماحي لذلك الضلال، فهي ليلة لم يولد فيها رجل، ولو كانت كذلك لما كان لها فضل على بقية الليالي، ولكنها ليلة وُلدَ فيها الهدى بأكمله والرحمة بأجمعها، وإن الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله لهو الهدى الكامل لبني آدم كلهم، والرحمة الشاملة لجميعهم، وإن العالم كله في ذلك الوقت كان متعطشًا ومتشوفًا إلى رحمة الله لما أعوزته الرحمة من أفراده، ولقد أصاب مطلوبه ونال مرغوبه في آية واحدة من القرآن الكريم وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ}، وهي آية جامعة للجناحين اللذين يطير بهما الإنسان وهما الأمر والنهي، وما زالت سعادة الإنسان وشقاؤه معلّقين على ما يفعله وما يتركه،- فيسعد إذا فعل الخير، ويشقى إذا عكس القضية.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 316