نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 357
وهو الأماثل والأخيار منهم، الجامعون لمعاني الإنسانية الفاضلة، وهذا المعنى تعرفه العرب فإنهم كثيرًا ما يطلقون اسم الجنس على الفرد أو الأفراد الكاملين في حقيقته. وإن كان هذا من المجاز في كلامهم وقد حملوا على هذا المعنى قوله تعالى: {آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ}.
ونكتة الإعادة والإظهار للفظ الناس، توضيح المعنى وإلفات النفس إليه وإيقاظ شعورها به، والتسجيل على الناس بأن لهم ربًا هو مالكهم وإلههم.
من شر الوسواس: الوسواس هنا صفة الموسوس وإن خالف المعهود في أبنية الصفات، أو هو اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال والزلزلة، وأصل هذه الكلمة دائر على معنى الخفاء، والعرب تسمي حركة الحلي وسواسًا، وهذا المعنى واضح في المراد هنا فإن الموسوس من الجن في نهاية الخفاء هو وعمله، والموسوس من الإنس يتحرى الإخفاء ما استطاع، وبحْكم الحيلة في ذلك ولا يرمي رميته إلّا في الخلوات. وإن الناس ليعرفون عرفانًا ضرورًّيا من الفرق بين المصلحين والمفسدين أن الأولين يصدعون بكلمة الحق مجلجلة، ويرسلون صيحته داوية ويعملون أعمالهم في وضح النهار ومحافل الخلق، وأن الآخرين يتهامسون إذا قالوا، ويستترون إذا فعلوا، ويعمدون إلى الغمز والإشارة والتعمية، ولو وجدوا السبيل لكانت لهم لغة غير اللغات، ولكان الزمن كله ظلمات، والأرض كلها مغارات.
والخناس: وصف مبالغة في الخانس من الخنوس وهو التأخر بعد التقدم، ومن ملابسات هذا المعنى ومكملاته في المحسوس أنه يذهب ويجيء ويظهر ويختفي، إغراقًا في الكيد وتقصيًا في التطور حتى يبلغ مراده. فالله تعالى يرشدنا بوصفه بهذه الصفة إلى أن له في عمله كرًا وفرًا، وهجومًا وانتهازًا، واستطرادًا على التصوير الذي صوره إبليس في ما حكى الله عنه: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ). يرشدنا بذلك لنُعِدَّ لكل حالة من حالاته عدتها. ولنُضيِّق عليه المسالك التي يسلكها، كما أن وصفه بهذه الصفة يشعر بأنه ضعيف الكيد، لأن الخنوس ليس من صفات الشجاع المقدام، وإنما هو كالذباب تذبه بذكر الله من ناحية فيأتيك من ناحية ثم دواليك حتى تملّ أو يملّ. وأما التهويل في وصفه بما يأتي بعد فهو مبالغة في التحذير منه لأن وصفه بالضعف مظنة لاحتقاره والتساهل في أمره.
الذي يوسوس في صدور الناس: قال يوسوس بالمضارع إشعارًا بعد إشعار بتجدد الوسوسة منه وعدم انقطاعها، وقال في صدور الناس. والصدر ملتقى حنايا الأضلع ومستوح القوى التي كان الإنسان إنسانًا بها، ومجمع المضغ التي تحمل تلك القوى، والقلب واحد منها، فالقلب غير الصدر وإنما هو فيه، ولذلك قال: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. ومواقع استعمال القرآن لكلمة الصدر مفردًا وجمعًا والحكم عليها بالشرح
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 357