نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 62
الإنسانية: آلامها واستغاثتها*
الإنسانية تلك الأم الرؤوم التي لا تحابي واحدا من أبنائها دون آخر ولا تميز بين بار منهم وفاجر، ولا تفرق بين مؤمن منهم وكافر، تلك الأم المعذبة بالويلات والمحن، من ويلات الحروب التي أتلفت الملايين إلى ويلات الأمراض والطواعين إلى ويلات الزلازل والبراكين. الإنسانية التي لو تمثلت بشرا لتمثلت بقول الشاعر العربي:
فَلَوْ كَانَ رُمْحًا وَاحِدًا لَاتَّقَيْتُهُ … وَلَكِنَّهُ رُمْحٌ وَثَانٍ وَثَالِثٌ
عجيب لهذه الإنسانية ما كفاها من مصائب الدهر تقاطع أبنائها وتدابرهم، ونصب الحبائل وبث المكائد لبعضهم بعضا. ما كفاها من مصائب الدهر أن يكون في أبنائها قوي يستعبد ضعيفا، وشريف يستخدم مشروفا. ما كفاها أن تنقلب الحقائق على أبنائها المارقين العاقين فيركبون مطايا الخير للشر، ويستعملون سلاح النفع للضر، ويتوسلون بالدين لجمع الدنيا، ما كفتها هذه المصائب المجتاحة، حتى ظاهرتها الطبيعة الجبارة على هذه الإنسانية المسكينة. يا لله أما كفتها مصائب الأرض حتى تظاهرها مصائب السماء؟
ألا فليرحم الإنسانية من في قلبه رحمة، ألا وان الإنسانية تستغيث فهل من مغيث، وتستنجد فهل من منجد؟
استغاثت الإنسانية قديما بأبنائها الصادقين، على أبنائها المارقين. استغاثت من المفسدين لنظام الفطرة، والعاملين على تفريق هذه الأسرة فأغاثها الأنبياء والمرسلون والعباد الصالحون. واستغاثت من عباد المادة الحائدين عن الجادة، فأغاثها أنصار الروح، والمقدسون للروح، والقائلون بخلود الروح. واستغاثت من أعداء العقل المفكر، وعباد الحس والمحسوس، فأغاثها الحكماء الربانيون والفلاسفة الإشراقيون، واستغاثت من
* الشهاب، الجزء الأول، المجلد السادس، فيفري 1930.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 62