نام کتاب : زهرة التفاسير نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 178
وقوله تعالى: (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) يراد بالفوقية الزيادة في القوة على توجيه بعض المفسرين، ويكون المؤدى أن البعوضة أضعف الحيوان، وأنها يصح أن تكون ابتداء لضرب الأمثال من أدنى الأحياء إلى أعلاها، وهذا تخريج بعض المفسرين، وهو صحيح في ذاته، ويفسر بعضهم الفوقية بمعنى الزيادة في الصغر، وكأنه يتصور أن في الأحياء ما هو أصغر من البعوضة ويقر أن الفوقية في كل شيء بما سبقه، فإن كان ضرب المثل للصغر، فالفوقية في الصغر أي أكثر صغرا منها.
ونحن نرى أن الأول هو الأظهر، ولكن يجب التنبيه إلى أن ذلك لَا يقتضي أن يضرب المثل بما دونها فإن مؤدى القول أنه سبحانه لَا يترك المثل الأكبر أو الأصغر لصغر عقولهم أو عنادهم، فإن القرآن أعلى البيان عند الله، ولا يترك سبحانه البيان السامي لاستغرابهم أو إعجابهم.
وإن المثل الذي يسوءهم لأنه تنزيل لمكان ما يقدسون في زعمهم، يستغربون ثم ينكرون فيزيد ضلالهم؛ ولذلك قال سبحانه: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ). أي أن ضرب المثل يضل الله تعالى به كثيرا من الضلال، وكثيرا من الناس، وكثرة الضلال بالإيغال فيه حيث يقوم الدليل على بطلان ما يعتقدون، فيلوون رءوسهم فيزدادون ضلالا، وكثرة الضالين لكثرة المفاسد.
وأسند الإضلال إلى الله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الذي ضرب المثل، وقد تسبب ضرب المثل في نفوسهم التي أصابها الفجور والعناد في أن استكبرت وزادت نفورا عن الحق، وإيغالا في الباطل، وإن الله تعالى يسن طريق الهدى، ويبينه فمن عاند وجحد، وسار في طريق الضلال، وكلما سار فيه أوغل، حتى يزداد ضلالا - كالذي يضرب في الأرض؛ إن سار في الطريق الجد وصل، وإن سار في الطريق المعوج تاه وكلما سار زاد في التيه.
وأما الذين آمنوا فإنهم يجدون في المثل الحق وازدادوا إيمانا بالحق وتصديقا به؛ ولذلك حق عليهم أن يقول الله تعالى فيهم: (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا) هديا كثيرا فيزيدهم إيمانا بعد إيمانهم.
نام کتاب : زهرة التفاسير نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 178