نام کتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن نویسنده : السعدي، عبد الرحمن جلد : 1 صفحه : 616
فذهب موسى برسالة ربه {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ} واضحات الدلالة على ما قال لهم، ليس فيها قصور ولا خفاء. {قَالُوا} على وجه الظلم والعلو والعناد {مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى} كما قال فرعون في تلك الحالة التي ظهر فيها الحق، واستعل على الباطل، واضمحل الباطل، وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الأمور {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} هذا، وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ما قصه الله علينا وقد علم {مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ولكن الشقاء غالب.
{وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ} وقد كذبوا في ذلك، فإن الله أرسل يوسف عليه السلام قبل موسى، كما قال تعالى {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} .
{وَقَالَ مُوسَى} حين زعموا أن الذي جاءهم به سحر وضلال، وأن ما هم عليه هو الهدى: {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} أي: إذا لم تفد المقابلة معكم، وتبيين الآيات البينات، وأبيتم إلا التمادي في غيكم واللجاج على كفركم، فالله تعالى العالم بالمهتدي وغيره، ومن تكون له عاقبة الدار، نحن أم أنتم {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} فصار عاقبة الدار لموسى وأتباعه، والفلاح والفوز، وصار لأولئك، الخسار وسوء العاقبة والهلاك.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} متجرئا على ربه، ومموها على قومه السفهاء، أخفاء العقول: {يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} أي: أنا وحدي، إلهكم ومعبودكم، ولو كان ثَمَّ إله غيري، لعلمته، فانظر إلى هذا الورع التام من فرعون!، حيث لم يقل " ما لكم من إله غيري " بل تورع وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} وهذا، لأنه عندهم، العالم الفاضل، الذي مهما قال فهو الحق، ومهما أمر أطاعوه.
فلما قال هذه المقالة، التي قد تحتمل أن ثَمَّ إلها غيره، أراد أن يحقق النفي، الذي جعل فيه ذلك الاحتمال، فقال لـ " هامان " {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} ليجعل له لبنا من فخار. {فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} أي: بناء {لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ولكن سنحقق هذا الظن، ونريكم كذب موسى. فانظر هذه الجراءة العظيمة على الله، التي ما بلغها آدمي، كذب موسى، وادَّعى أنه إله، ونفى أن يكون له علم بالإله الحق، وفعل الأسباب، ليتوصل إلى إله موسى، وكل هذا ترويج، ولكن العجب من هؤلاء الملأ الذين يزعمون أنهم كبار المملكة، المدبرون لشئونها، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم، واستخف أحلامهم، وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم.
فسد دينهم، ثم تبع ذلك فساد عقولهم، فنسألك اللهم الثبات على الإيمان، وأن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وتهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
قال تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} استكبروا على عباد الله، وساموهم سوء العذاب، واستكبروا على رسل الله، وما جاءوهم به من الآيات، فكذبوها، وزعموا أن ما هم عليه أعلى منها وأفضل.
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} فلذلك [1] تجرأوا، وإلا فلو علموا، أو ظنوا أنهم يرجعون إلى الله، لما كان منهم ما كان.
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ} عندما استمر عنادهم وبغيهم {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} -[617]- كانت شر العواقب وأخسرها عاقبة أعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة، المتصلة بالعقوبة الأخروية.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أي جعلنا فرعون وملأه من الأئمة الذين يقتدي بهم ويمشي خلفهم إلى دار الخزي والشقاء. {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ} من عذاب الله، فهم أضعف شيء، عن دفعه عن أنفسهم، وليس لهم من دون الله، من ولي ولا نصير.
{وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أي: وأتبعناهم، زيادة في عقوبتهم وخزيهم، في الدنيا لعنة، يلعنون، ولهم عند الخلق الثناء القبيح والمقت والذم، وهذا أمر مشاهد، فهم أئمة الملعونين في الدنيا ومقدمتهم، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} المبعدين، المستقذرة أفعالهم. الذين اجتمع عليهم مقت الله، ومقت خلقه، ومقت أنفسهم.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وهو التوراة {مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى} الذين كان خاتمتهم في الإهلاك العام، فرعون وجنوده. وهذا دليل على أنه بعد نزول التوراة، انقطع الهلاك العام، وشرع جهاد الكفار بالسيف.
{بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} أي: كتاب الله، الذي أنزله على موسى، فيه بصائر للناس، أي: أمور يبصرون بها ما ينفعهم، وما يضرهم، فتقوم الحجة على العاصي، وينتفع بها المؤمن، فتكون رحمة في حقه، وهداية له إلى الصراط المستقيم، ولهذا قال: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .
ولما قص الله على رسوله ما قص من هذه الأخبار الغيبية، نبه العباد على أن هذا خبر إلهي محض، ليس للرسول، طريق إلى علمه إلا من جهة الوحي، ولهذا قال: [1] كذا في ب، وفي أ: فكذلك.
نام کتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن نویسنده : السعدي، عبد الرحمن جلد : 1 صفحه : 616