responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 195
بِالْقَوَانِينِ الْأُصُولِيَّةِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَكُونُ مُحْسِنًا بِالْعِبَادِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لِيَعْلَمَ أَصْنَافَ حَاجَاتِ الْعِبَادِ، وَإِلَّا إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ لِيَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا إِذَا كان غنياً عن كل الحاجات، إذا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ اشْتِغَالُهُ بِدَفْعِ الْحَاجَةِ عَنْ نَفْسِهِ يَمْنَعُهُ عَنْ دَفْعِ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ مُحْسِنًا لَا يَتِمُّ إلا بعد كونه منزهاً عن النقائض وَالْآفَاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْلَى مِنَ الِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ.
الْفَائِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَاضِي وَتَعَلُّقٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْمَاضِي فَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ شُكْرًا عَلَى النِّعَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ أَنَّهُ يُوجِبُ تَجَدُّدَ النِّعَمِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إِبْرَاهِيمَ: 7] وَالْعَقْلُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ النِّعَمَ السَّابِقَةَ تُوجِبُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْخِدْمَةِ، وَالْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ، ثُمَّ إِذَا اشْتَغَلَ بِالشُّكْرِ انْفَتَحَتْ عَلَى الْعَقْلِ وَالْقَلْبِ أَبْوَابُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَبْوَابُ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ الْحَمْدُ بِسَبَبِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَاضِي يُغْلِقُ عَنْكَ أَبْوَابَ النِّيرَانِ، وَبِسَبَبِ تَعَلُّقِهِ بِالْمُسْتَقْبَلِ يَفْتَحُ لَكَ أَبْوَابَ الْجِنَانِ، فَتَأْثِيرُهُ فِي الْمَاضِي سَدَّ أَبْوَابَ الْحِجَابِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَأْثِيرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَتَحَ أَبْوَابَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كان لا نهاية لدرجات جلال اللَّهِ فَكَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَارِجِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَلَا مِفْتَاحَ لَهَا إِلَّا قَوْلُنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ سُمِّيَتْ سُورَةُ الْحَمْدِ بِسُورَةِ الْفَاتِحَةِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَلِمَةٌ شَرِيفَةٌ جَلِيلَةٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي مَوْضِعِهَا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، قِيلَ لِلسَّرِيِّ السَّقَطِيِّ: كَيْفَ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِالطَّاعَةِ؟ قَالَ: أَنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَنْ قَوْلِي مَرَّةً وَاحِدَةً الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقِيلَ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَغْدَادَ وَاحْتَرَقَتِ الدَّكَاكِينُ وَالدُّورُ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ دُكَّانِي لَمْ يَحْتَرِقْ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَانَ مَعْنَاهُ أَنِّي فَرِحْتُ/ بِبَقَاءِ دُكَّانِي حَالَ احْتِرَاقِ دَكَاكِينِ النَّاسِ وَكَانَ حَقُّ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ لَا أَفْرَحَ بِذَلِكَ فَأَنَا فِي الِاسْتِغْفَارِ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً عَنْ قَوْلِي الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ جَلِيلَةَ الْقَدْرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ رِعَايَةُ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ إِنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ كَثِيرَةٌ، إِلَّا أَنَّهَا بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْأُولَى مَحْصُورَةٌ فِي نَوْعَيْنِ: نِعَمُ الدُّنْيَا، وَنِعَمُ الدِّينِ، وَنِعَمُ الدِّينِ أَفْضَلُ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَقَوْلُنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ كَلِمَةٌ جَلِيلَةٌ شَرِيفَةٌ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ إِجْلَالُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ أَنْ يَذْكُرَهَا فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِ الدُّنْيَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَذْكُرَهَا إِلَّا عِنْدَ الْفَوْزِ بِنِعَمِ الدِّينِ، ثُمَّ نِعَمُ الدِّينِ قِسْمَانِ: أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ، وَأَعْمَالُ الْقُلُوبِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَشْرَفُ، ثُمَّ نِعَمُ الدُّنْيَا قِسْمَانِ: تَارَةً تُعْتَبَرُ تِلْكَ النِّعَمُ مِنْ حَيْثُ هِيَ نِعَمٌ، وَتَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا عَطِيَّةُ الْمُنْعِمِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَشْرَفُ، فَهَذِهِ مَقَامَاتٌ يَجِبُ اعْتِبَارُهَا حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُ قَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ مُوَافِقًا لِمَوْضِعِهِ لَائِقًا بِسَبَبِهِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَوَّلُ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا أَبُونَا آدَمُ هُوَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَآخِرُ كَلِمَةٍ يَذْكُرُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ هُوَ قَوْلُنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ الرُّوحَ إِلَى سُرَّتِهِ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يُونُسَ: 10] فَفَاتِحَةُ الْعَالَمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَمْدِ وَخَاتِمَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَمْدِ، فَاجْتَهِدْ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُ أَعْمَالِكَ وَآخِرُهَا مَقْرُونًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عَالَمٌ صَغِيرٌ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَحْوَالُهُ مُوَافِقَةً لِأَحْوَالِ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيفٌ، لِأَنَّ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 195
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست