responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 206
الْحُكْمُ الثَّانِي: مِنْ أَحْكَامِ كَوْنِهِ تَعَالَى مَلِكًا أَنَّهُ مَلِكٌ لَا يُشْبِهُ سَائِرَ الْمُلُوكِ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَصَدَّقُوا بِشَيْءٍ انْتَقَصَ مُلْكُهُمْ، وَقَلَّتْ خَزَائِنُهُمْ، أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَمُلْكُهُ لَا يَنْتَقِصُ بِالْعَطَاءِ وَالْإِحْسَانِ، بَلْ يَزْدَادُ، بَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَعْطَاكَ وَلَدًا وَاحِدًا لَمْ يَتَوَجَّهْ حُكْمُهُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ، أَمَّا لَوْ أَعْطَاكَ عَشَرَةً مِنَ الْأَوْلَادِ كَانَ حُكْمُهُ وَتَكْلِيفُهُ لَازِمًا عَلَى الْكُلِّ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى كُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ عَطَاءً كَانَ أَوْسَعَ مُلْكًا. الْحُكْمُ الثَّالِثُ: مِنْ أَحْكَامِ كَوْنِهِ مَلِكًا كَمَالُ الرَّحْمَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ آيَاتٌ: إِحْدَاهَا: مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ كَوْنِهِ رَبًّا رَحْمَانًا رَحِيمًا وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ [الْحَشْرِ: 22، 23] ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ كَوْنَهُ قُدُّوسًا عَنِ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ كَوْنَهُ سَلَامًا، وَهُوَ الَّذِي سَلَّمَ عِبَادَهُ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ كَوْنَهُ مُؤْمِنًا، وَهُوَ الَّذِي يُؤَمِّنُ عَبِيدَهُ عَنْ جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ مَلِكًا لَا يَتِمُّ إِلَّا مَعَ كَمَالِ الرَّحْمَةِ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الْفُرْقَانِ: 26] لَمَّا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْمُلْكَ أَرْدَفَهُ بِأَنْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ رَحْمَانًا، يَعْنِي إِنْ كَانَ ثُبُوتُ الْمُلْكِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْقَهْرِ، فَكَوْنُهُ رَحْمَانًا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ الْخَوْفِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ [النَّاسِ: 1، 2] فَذَكَرَ أَوَّلًا كَوْنَهُ رَبًّا لِلنَّاسِ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِكَوْنِهِ مَلِكًا لِلنَّاسِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُلْكَ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَكْمُلُ إِلَّا مَعَ الْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ، فَيَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ اسْمَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ وَارْحَمُوا هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ وَلَا تَطْلُبُوا مَرْتَبَةً زَائِدَةً فِي الْمُلْكِ عَلَى مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى. الْحُكْمُ الرَّابِعُ: لِلْمَلِكِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّعِيَّةِ طَاعَتُهُ فَإِنْ خَالَفُوهُ وَلَمْ يُطِيعُوهُ وَقَعَ الْهَرْجُ وَالْمَرَجُ فِي الْعَالَمِ وَحَصَلَ الِاضْطِرَابُ وَالتَّشْوِيشُ وَدَعَا ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيبِ الْعَالَمِ وَفَنَاءِ الْخَلْقِ، فَلَمَّا شَاهَدْتُمْ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْمَلِكِ الْمُجَازِي تُفْضِي آخِرَ الْأَمْرِ إِلَى تَخْرِيبِ الْعَالَمِ وَفَنَاءِ الْخَلْقِ فَانْظُرُوا إِلَى مُخَالَفَةِ مَلِكِ الْمُلُوكِ كَيْفَ يَكُونُ تَأْثِيرُهَا فِي زَوَالِ الْمَصَالِحِ وَحُصُولِ الْمَفَاسِدِ؟ وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْكُفْرَ سَبَبٌ لِخَرَابِ الْعَالَمِ، قَالَ تَعَالَى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً [مَرْيَمَ: 90، 91] وَبَيَّنَ أَنَّ طَاعَتَهُ سَبَبٌ لِلْمَصَالِحِ قَالَ تَعَالَى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طَهَ: 132] فَيَا أَيُّهَا الرَّعِيَّةُ كُونُوا مُطِيعِينَ لِمُلُوكِكُمْ، وَيَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ كُونُوا مُطِيعِينَ لِمَلِكِ الْمُلُوكِ حَتَّى تَنْتَظِمَ مَصَالِحُ الْعَالَمِ.
الْحُكْمُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ مَلِكًا لِيَوْمِ الدِّينِ أَظْهَرَ لِلْعَالَمِينَ كَمَالَ عَدْلِهِ فَقَالَ: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فُصِّلَتْ: 46] ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الْعَدْلِ فَقَالَ: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الْأَنْبِيَاءِ: 47] فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كَوْنَهُ مَلِكًا حَقًّا لِيَوْمِ الدِّينِ إِنَّمَا يَظْهَرُ بِسَبَبِ الْعَدْلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ الْمُجَازِي عَادِلًا كَانَ مَلِكًا حَقًّا وَإِلَّا كَانَ مَلِكًا بَاطِلًا فَإِنْ كَانَ مَلِكًا عَادِلًا حَقًّا حَصَلَ مِنْ بَرَكَةِ عَدْلِهِ الْخَيْرُ وَالرَّاحَةُ فِي الْعَالَمِ وَإِنْ كَانَ مَلِكًا ظَالِمًا ارْتَفَعَ الْخَيْرُ مِنَ الْعَالَمِ.
يُرْوَى أَنَّ أَنُوشَرْوَانَ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ يَوْمًا، وَأَوْغَلَ فِي الرَّكْضِ، وَانْقَطَعَ عَنْ عَسْكَرِهِ وَاسْتَوْلَى الْعَطَشُ عَلَيْهِ، وَوَصَلَ إِلَى بُسْتَانٍ، فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ الْبُسْتَانَ رَأَى أَشْجَارَ الرُّمَّانِ فَقَالَ لِصَبِيٍّ حَضَرَ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ: أَعْطِنِي رُمَّانَةً وَاحِدَةً، فَأَعْطَاهُ رُمَّانَةً فَشَقَّهَا وَأَخْرَجَ حَبَّهَا وَعَصَرَهَا فَخَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ كَثِيرٌ فَشَرِبَهُ، وَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ الرُّمَّانُ فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْبُسْتَانَ مِنْ مَالِكِهِ ثُمَّ قَالَ لِذَلِكَ الصَّبِيِّ: أَعْطِنِي رُمَّانَةً أُخْرَى، فَأَعْطَاهُ فَعَصَرَهَا فَخَرَجَ مِنْهَا مَاءٌ قَلِيلٌ فَشَرِبَهُ فَوَجَدَهُ عَفْصًا مُؤْذِيًا، فَقَالَ: أَيُّهَا الصَّبِيُّ لِمَ صَارَ الرُّمَّانُ هَكَذَا؟ فَقَالَ الصَّبِيُّ: لَعَلَّ مَلِكَ الْبَلَدِ عزم

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 206
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست