responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 211
الْخَمْسِ وَهِيَ الَّتِي لِأَجْلِهَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْعَبْدِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ، وَلَمَّا بَيَّنَ ذَلِكَ ثَبَتَ صِحَّةُ قَوْلِنَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ قَوْلَهُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ/ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَى وَأَجَلُّ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَتِمَّ مَقْصُودٌ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَغَرَضٌ مِنَ الْأَغْرَاضِ إِلَّا بِإِعَانَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَثَبَتَ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُنْطَبِقَةٌ عَلَى ذَلِكَ الذِّكْرِ، وَآيَاتُ هَذِهِ السُّورَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الشَّرْحِ وَالتَّفْصِيلِ لِلْمَرَاتِبِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي ذَلِكَ الذِّكْرِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، فَقَدَّمَ قَوْلَهُ إِيَّاكَ عَلَى قَوْلِهِ نَعْبُدُ وَلَمْ يَقُلْ نَعْبُدُكَ، وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَ نَفْسِهِ لِيَتَنَبَّهُ الْعَابِدُ عَلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ هُوَ اللَّهُ الْحَقُّ، فَلَا يَتَكَاسَلُ فِي التَّعْظِيمِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُحْكَى أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُصَارِعِينَ الْأُسْتَاذِينَ صَارَعَ رُسْتَاقِيًّا جِلْفًا فَصَرَعَ الرُّسْتَاقِيُّ ذَلِكَ الْأُسْتَاذَ مِرَارًا فَقِيلَ لِلرُّسْتَاقِيِّ: إِنَّهُ فُلَانٌ الْأُسْتَاذُ، فَانْصَرَعَ فِي الْحَالِ مِنْهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِاحْتِشَامِهِ مِنْهُ، فكذا هاهنا: عَرَّفَهُ ذَاتَهُ أَوَّلًا حَتَّى تَحْصُلَ الْعِبَادَةُ مَعَ الْحِشْمَةِ فَلَا تَمْتَزِجَ بِالْغَفْلَةِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إِنْ ثَقُلَتْ عَلَيْكَ الطَّاعَاتُ وَصَعُبَتْ عَلَيْكَ الْعِبَادَاتُ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَاذْكُرْ أَوَّلًا قَوْلَهُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِتَذْكُرَنِي وَتَحْضُرَ فِي قَلْبِكَ مَعْرِفَتِي، فَإِذَا ذَكَرْتَ جَلَالِي وَعَظَمَتِي وَعِزَّتِي وَعَلِمْتَ أَنِّي مَوْلَاكَ وَأَنَّكَ عَبْدِي سَهَّلْتُ عَلَيْكَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ، وَمِثَالُهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَمْلَ الْجِسْمِ الثَّقِيلِ تَنَاوَلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَزِيدُهُ قُوَّةً وَشِدَّةً، فَالْعَبْدُ لَمَّا أَرَادَ حَمْلَ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ الشَّدِيدَةِ تَنَاوَلَ أَوَّلًا مَعْجُونَ مَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ مِنْ بُسْتُوقَةِ قَوْلِهِ إِيَّاكَ حَتَّى يَقْوَى عَلَى حَمْلِ ثِقَلِ الْعُبُودِيَّةِ، وَمِثَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْعَاشِقَ الَّذِي يُضْرَبُ لِأَجْلِ مَعْشُوقِهِ فِي حَضْرَةِ مَعْشُوقِهِ يَسْهُلُ عَلَيْهِ ذلك الضرب، فكذا هاهنا: إِذَا شَاهَدَ جَمَالَ إِيَّاكَ سَهُلَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ ثِقَلِ الْعُبُودِيَّةِ. وَثَالِثُهَا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الْأَعْرَافِ: 201] فَالنَّفْسُ إِذَا مَسَّهَا طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنَ الْكَسَلِ وَالْغَفْلَةِ وَالْبِطَالَةِ تَذَكَّرُوا حَضْرَةَ جَلَالِ اللَّهِ مِنْ مَشْرِقِ قَوْلِهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ فَيَصِيرُونَ مُبْصِرِينَ مُسْتَعِدِّينَ لِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ نَعْبُدُكَ فَبَدَأْتَ أَوَّلًا بِذِكْرِ عِبَادَةِ نَفْسِكَ وَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّ تِلْكَ الْعِبَادَةَ لِمَنْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ إِبْلِيسَ يَقُولُ هَذِهِ الْعِبَادَةُ لِلْأَصْنَامِ أَوْ لِلْأَجْسَامِ أَوْ لِلشَّمْسِ أَوِ الْقَمَرِ، أَمَّا إِذَا غَيَّرْتَ هَذَا التَّرْتِيبَ وَقُلْتَ أَوَّلًا إِيَّاكَ ثُمَّ قُلْتَ ثَانِيًا نَعْبُدُ كَانَ قَوْلُكَ أَوَّلًا إِيَّاكَ صَرِيحًا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَالْمَعْبُودَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَانَ هَذَا أَبْلَغَ فِي التَّوْحِيدِ وَأَبْعَدَ عَنِ احْتِمَالِ الشِّرْكِ. وَخَامِسُهَا: وَهُوَ أَنَّ الْقَدِيمَ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْمُحْدَثِ الْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى جَمِيعِ الْأَذْكَارِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَدَّمَ قَوْلَهُ إِيَّاكَ عَلَى قَوْلِهِ نَعْبُدُ لِيَكُونَ ذِكْرُ الْحَقِّ مُتَقَدِّمًا عَلَى ذِكْرِ الْخَلْقِ. وَسَادِسُهَا: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: مَنْ كَانَ نَظَرُهُ فِي وَقْتِ النِّعْمَةِ إِلَى الْمُنْعِمِ لَا إِلَى/ النِّعْمَةِ كَانَ نَظَرُهُ فِي وَقْتِ الْبَلَاءِ إِلَى الْمُبْتَلِي لَا إِلَى الْبَلَاءِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَرِقًا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَبَدًا فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ السِّعَادَاتِ، أَمَّا مَنْ كَانَ نَظَرُهُ فِي وَقْتِ النِّعْمَةِ إِلَى النِّعْمَةِ لَا إِلَى الْمُنْعِمِ كَانَ نَظَرُهُ فِي وَقْتِ الْبَلَاءِ إِلَى الْبَلَاءِ لَا إِلَى الْمُبْتَلِي فَكَانَ غَرِقًا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ فِي الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَكَانَ أَبَدًا فِي الشَّقَاوَةِ، لِأَنَّ فِي وَقْتِ وِجْدَانِ النِّعْمَةَ يَكُونُ خَائِفًا مِنْ زَوَالِهَا فَكَانَ فِي الْعَذَابِ وَفِي وَقْتِ فَوَاتِ النِّعْمَةِ كَانَ مُبْتَلًى بِالْخِزْيِ وَالنَّكَالِ فَكَانَ فِي مَحْضِ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَلِهَذَا التَّحْقِيقِ قَالَ لِأُمَّةِ مُوسَى:
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [البقرة: 40] ، وقال لأمة محمد عليه السلام: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: 152] ، إذا عرفت

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 211
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست