responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 214
عليه السلام وصلت تلك الغلبة إلى حَيْثُ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَمَا شَعَرْنَ بِذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ هَذَا فِي حَقِّ الْبَشَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ عِنْدَ اسْتِيلَاءِ عَظَمَةِ اللَّهِ عَلَى الْقَلْبِ أَوْلَى، وَلَأَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى مَلِكٍ مَهِيبٍ فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِ أَبَوَاهُ وَبَنُوهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَعْرِفُهُمْ لِأَجْلِ أَنَّ اسْتِيلَاءَ هَيْبَةِ ذَلِكَ الملك تَمْنَعُ الْقَلْبَ عَنِ الشُّعُورِ بِهِمْ، فَإِذَا جَازَ هَذَا فِي حَقِّ مَلِكٍ مَخْلُوقٍ مُجَازَى فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي حَقِّ خَالِقِ الْعَالَمِ أَوْلَى.
ثُمَّ قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ: الْعِبَادَةُ لَهَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ طَمَعًا فِي الثَّوَابِ أَوْ هَرَبًا مِنَ الْعِقَابِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعِبَادَةِ، وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ نَازِلَةٌ سَاقِطَةٌ جِدًّا، لِأَنَّ مَعْبُودَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ ذَلِكَ الثَّوَابُ، وَقَدْ جَعَلَ الْحَقَّ وَسِيلَةً إِلَى نَيْلِ الْمَطْلُوبِ، وَمَنْ جَعَلَ الْمَطْلُوبَ بِالذَّاتِ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْخَلْقِ وَجَعَلَ الْحَقَّ وَسِيلَةً إِلَيْهِ فَهُوَ خَسِيسٌ جِدًّا.
وَالدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَشَرَّفَ بِعِبَادَتِهِ، أَوْ يَتَشَرَّفَ بِقَبُولِ تَكَالِيفِهِ، أَوْ يَتَشَرَّفَ بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِنَ الْأُولَى، إِلَّا أَنَّهَا أَيْضًا لَيْسَتْ كَامِلَةً، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ غَيْرُ اللَّهِ.
وَالدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِكَوْنِهِ إِلَهًا وَخَالِقًا، وَلِكَوْنِهِ عَبْدًا لَهُ، وَالْإِلَهِيَّةُ تُوجِبُ الْهَيْبَةَ وَالْعِزَّةَ، وَالْعُبُودِيَّةُ تُوجِبُ الْخُضُوعَ وَالذِّلَّةَ، وَهَذَا أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَشْرَفُ الدرجات، وهذا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعُبُودِيَّةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ الْمُصَلِّي فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ أُصَلِّي لِلَّهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَصُلِّي لِثَوَابِ اللَّهِ، أَوْ لِلْهَرَبِ مِنْ عِقَابِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالْعُبُودِيَّةَ مَقَامٌ عَالٍ شَرِيفٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ سُورَةِ الْحِجْرِ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الْحِجْرِ: 97- 99] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ فَأَمَرَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِالْعِبَادَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جَلَالَةِ أَمْرِ الْعِبَادَةِ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: التَّسْبِيحُ: وَهُوَ قَوْلُه فَسَبِّحْ وَالتَّحْمِيدُ: وَهُوَ قَوْلُهُ بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَالسُّجُودُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَالْعِبَادَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ تُزِيلُ ضِيقَ الْقَلْبِ، وَتُفِيدُ انْشِرَاحَ الصَّدْرِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تُوجِبُ الرُّجُوعَ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ يُوجِبُ زَوَالَ ضِيقِ الْقَلْبِ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ: فِي شَرَفِ الْعُبُودِيَّةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الْإِسْرَاءِ: 1] وَلَوْلَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ أَشْرَفُ الْمَقَامَاتِ، وَإِلَّا لَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِ الْمِعْرَاجِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْعُبُودِيَّةُ أَشْرَفُ مِنَ الرِّسَالَةِ، لِأَنَّ بِالْعُبُودِيَّةِ يَنْصَرِفُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ، وَبِالرِّسَالَةِ يَنْصَرِفُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْخَلْقِ، وَأَيْضًا بِسَبَبِ الْعُبُودِيَّةِ يَنْعَزِلُ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَبِسَبَبِ الرِّسَالَةِ يُقْبِلُ على التصرفات، واللائق بالعبد والانعزال عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَأَيْضًا الْعَبْدُ يَتَكَفَّلُ الْمَوْلَى بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ الْأُمَّةِ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: فِي شَرَفِ الْعُبُودِيَّةِ: أَنَّ عِيسَى أَوَّلَ مَا نَطَقَ قَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مَرْيَمَ: 30] وَصَارَ ذِكْرُهُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ سَبَبًا لِطَهَارَةِ أُمِّهِ، وَلِبَرَاءَةِ وُجُودِهِ عَنِ الطَّعْنِ، وَصَارَ مِفْتَاحًا لِكُلِّ الْخَيْرَاتِ، وَدَافِعًا لِكُلِّ الآفات،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 214
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست