responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 221
وَأَعَانَنَا عَلَيْهَا وَهَدَانَا إِلَيْهَا وَأَزَاحَ الْأَعْذَارَ عَنَّا وَإِلَّا لَمَا وَصَلْنَا إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ جَمِيعَ النِّعَمِ فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْفَرْعُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْعَبِيدِ هُوَ أَنْ خَلَقَهُمْ أَحْيَاءً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ أَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ نِعْمَةً إِلَّا إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يُمْكُنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلَا يُمْكُنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ الْحَيَاةِ، فَإِنَّ الْجَمَادَ وَالْمَيِّتَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ، فَثَبَتَ أَنَّ أَصْلَ جَمِيعِ النِّعَمِ هُوَ الْحَيَاةُ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [الْبَقَرَةِ: 28] ثُمَّ قَالَ عَقِيبَهُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الْبَقَرَةِ: 29] فَبَدَأَ بِذِكْرِ الْحَيَاةِ، وَثَنَّى بِذِكْرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ جَمِيعِ النِّعَمِ هُوَ الْحَيَاةُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ لِلَّهِ تَعَالَى نِعْمَةٌ عَلَى الْكَافِرِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ، وَنِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَالْمَعْقُولِ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَآيَاتٌ. إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ لَكَانُوا دَاخِلِينَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ولو كان كذلك لَكَانَ قَوْلُهُ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ طَلَبًا لِصِرَاطِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ نِعْمَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ قَوْلَهُ الصِّرَاطَ يَدْفَعُ ذَلِكَ، قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ:
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فَكَانَ التَّقْدِيرُ اهْدِنَا صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ. وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آلِ عِمْرَانَ: 178] وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ نِعَمَ الدُّنْيَا فِي مُقَابَلَةِ عَذَابِ الْآخِرَةِ عَلَى الدَّوَامِ قَلِيلَةٌ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ نِعْمَةً، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ جَعَلَ السُّمَّ فِي الْحَلْوَاءِ لَمْ يَعُدِ النَّفْعُ الْحَاصِلُ مِنْهُ نِعْمَةٌ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ النَّفْعَ حَقِيرٌ في مقابلة ذلك الضرر الكثير، فكذا هاهنا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعَمًا كَثِيرَةً فَقَدِ احْتَجُّوا بِآيَاتٍ: إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً [الْبَقَرَةِ: 21، 22] فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ طَاعَةُ اللَّهِ لِمَكَانِ هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [الْبَقَرَةِ: 28] ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَشَرْحِ النِّعَمِ. وَثَالِثُهَا: قوله تعالى: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ. [الْبَقَرَةِ: 40] وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سَبَأٍ: 13] وَقَوْلُ إِبْلِيسَ: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [الْأَعْرَافِ: 17] وَلَوْ لَمْ تَحْصُلِ النِّعَمُ لَمْ يَلْزَمِ الشُّكْرُ. وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِ إِقْدَامِهِمْ عَلَى الشُّكْرِ مَحْذُورٌ، لِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: اهْدِنَا صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَنْ هُمْ فَقَالَ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء: 69] ، الآية وَلَا شَكَّ أَنَّ رَأْسَ الصِّدِّيقِينَ وَرَئِيسَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْهِدَايَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصِّدِّيقِينَ، وَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ ظَالِمًا لَمَا جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست