نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 429
مما لم يقع في كل القرآن إلا قوله تعالى، فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الحجر: 54] وقرأ الكسائي «يبشر» مخففة في خمسة مواضع في آل عمران في قصة زكرياء وقصة مريم وفي سورة بني إسرائيل والكهف، ويبشر المؤمنين، وفي «عسق» يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ، قال غير واحد من اللغويين: في هذه اللفظة ثلاث لغات، بشّر بشد الشين، وبشر بتخفيفها، وأبشر يبشر إبشارا، وهذه القراءات كلها متجهة فصيحة مروية، وفي قراءة عبد الله بن مسعود «يبشرك» بضم الباء وتخفيف الشين المكسورة من- أبشر- وهكذا قرأ في كل القرآن.
و «يحيى» اسم سماه الله به قبل أن يولد، قال أبو علي: هو اسم بالعبرانية صادف «هذا البناء، والمعنى من العربية، قال الزجاج: لا ينصرف لأنه إن كان أعجميا ففيه التعريف والعجمة، وإن كان عربيا فالتعريف ووزن الفعل، وقال قتادة: سماه الله يحيى لأنه أحياه بالإيمان ومُصَدِّقاً نصب على الحال وهي مؤكدة بحسب حال هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وقوله تعالى: بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن والسدي وغيرهم، «الكلمة» هنا يراد بها عيسى ابن مريم.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وسمى الله تعالى عيسى كلمة إذ صدر عن كلمة منه تعالى لا بسبب إنسان آخر كعرف البشر، وروى ابن عباس: أن امرأة زكرياء قالت لمريم وهما حاملتان: إني أجد ما في بطني يتحرك لما في بطنك، وفي بعض الروايات، يسجد لما في بطنك قال، فذلك تصديقه.
قال الفقيه أبو محمد: أي أول التصديق، وقال بعض الناس: بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، معناه بكتاب من الله الإنجيل وغيره من كتب الله فأوقع المفرد موقع الجمع، فكلمة اسم جنس، وعلى هذا النظر سمت العرب القصيدة الطويلة كلمة، وقوله تعالى: وَسَيِّداً قال فيه قتادة: اي والله سيد في الحلم والعبادة والورع، وقال مرة: معناه في العلم والعبادة، وقال ابن جبير: وَسَيِّداً أي حليما، وقال مرة: السيد التقي وقال الضحاك: وَسَيِّداً أي تقيا حليما، وقال ابن زيد: السيد الشريف، وقال ابن المسيب: السيد الفقيه العالم، وقال ابن عباس: وَسَيِّداً يقول، تقيا حليما، وقال عكرمة: السيد الذي لا يغلبه الغضب.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: كل من فسر من هؤلاء العلماء المذكورين السؤدد بالحلم فقد أحرز أكثر معنى السؤدد ومن جرد تفسيره بالعلم والتقى ونحوه فلم يفسر بحسب كلام العرب، وقد تحصل العلم ليحيى عليه السلام بقوله عز وجل مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وتحصل التقى بباقي الآية، وخصه الله بذكر السؤدد الذي هو الاحتمال في رضى الناس على أشرف الوجوه دون أن يوقع في باطل، هذا لفظ يعم السؤدد، وتفصيله أن يقال: بذل الندى، وهذا هو الكرم وكف الأذى، وهنا هي العفة بالفرج واليد واللسان واحتمال العظائم، وهنا هو الحلم وغيره من تحمل الغرامات وجبر الكسير والإفضال على المسترفد، والإنقاذ من الهلكات، وانظر أن النبي عليه السلام قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر يجمع الله الأولين والآخرين، وذكر حديث شفاعته في إطلاق الموقف، وذلك منه احتمال في رضى ولد آدم فهو سيدهم بذلك، وقد يوجد من الثقات العلماء من لا يبرز في هذه الخصال، وقد يوجد من يبرز في هذه فيسمى سيدا وإن قصر في كثير من الواجبات أعني واجبات الندب والمكافحة في الحق وقلة المبالاة باللائمة، وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ما رأيت أحدا أسود من معاوية بن أبي سفيان قيل له،
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 429