نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 435
والْغَيْبِ ما غاب عن مدارك الإنسان، ونُوحِيهِ معناه نلقيه في نفسك في خفاء، وحد الوحي إلقاء المعنى في النفس في خفاء، ثم تختلف أنواعه، فمنه بالملك، ومنه بالإلهام، ومنه بالإشارة، ومنه بالكتاب، كما قال كعب بن زهير: [الطويل]
أتى العجم والآفاق منه قصائد ... بقين بقاء الوحي في الحجر الأصمّ
تقول العرب: أوحى، وتقول وحي، وفي هذه الآية بيان لنبوة محمد عليه السلام، إذ جاءهم بغيوب لا يعلمها إلا من شاهدها وهو لم يكن لديهم، أو من قرأها في كتب أهل الكتاب، ومحمد عليه السلام أمي من قوم أميين، أو من أعلمه الله بها وهو ذاك صلى الله عليه وسلم، ولديهم معناه عندهم ومعهم، وقد تقدم القول في الأقلام والكفل، وجمهور العلماء على أنه استهام لأخذها والمنافسة فيها، وقال ابن إسحاق: إنما كان استهامهم حين نالتهم المجاعة دفعا منها لتحمل مؤونتها، ويَخْتَصِمُونَ معناه يتراجعون القول الجهير في أمرها، وفي هذه الآية استعمال القرعة والقرعة سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرع بين نسائه، وقال عليه السلام: لو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه، وجمهور الأمة على تجويز القرعة إلا من شذ فظنها قمارا، وهذا كله فيما يصلح التراضي بكونه دون قرعة فكأن القرعة محسنة لذلك الاختصاص، وأما حيث لا يجوز التراضي كعتق العبيد في ثلث ميت فجوزها الجمهور ومنعها أبو حنيفة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين ستة أعبد، فأعتق اثنين وأرقّ أربعة، وقوله:
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ابتداء وخبر في موضع نصب بالفعل الذي تقديره، ينظرون، أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ، والعامل في قوله إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ فعل مضمر تقديره اذكر إذ قالت الملائكة وهكذا يطرد وصف الآية وتتوالى الإعلامات بهذه الغيوب، وقال الزجّاج: العامل فيها يَخْتَصِمُونَ، ويجوز أن يتعلق بقوله:
وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ وهذا كله يرده المعنى، لأن الاختصام لم يكن عند قول الملائكة، وقرأ ابن مسعود وعبد الله بن عمر: «إذ قال الملائكة» واختلف المتأولون هل الملائكة هنا عبارة عن جبريل وحده أو عن جماعة من الملائكة؟ وقد تقدم معنى ذلك كله في قوله آنفا، فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [آل عمران: 39] فتأمله، وتقدم ذكر القراءات في قوله يُبَشِّرُكِ.
واختلف المفسرون لم عبر عن عيسى عليه السلام بِكَلِمَةٍ؟ فقال قتادة: جعله «كلمة» إذ هو موجود بكلمة وهي قوله تعالى: لمرادته- كن- وهذا كما تقول في شيء حادث هذا قدر الله أي هو عند قدر الله وكذلك تقول هذا أمر الله، وترجم الطبري فقال: وقال آخرون: بل الكلمة اسم لعيسى سماه الله بها كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء، فمقتضى هذه الترجمة أن الكلمة اسم مرتجل لعيسى ثم أدخل الطبري تحت الترجمة عن ابن عباس أنه قال: «الكلمة» هي عيسى، وقول ابن عباس يحتمل أن يفسر بما قال قتادة وبغير ذلك مما سنذكره الآن وليس فيه شيء مما ادعى الطبري رحمه الله، وقال قوم من أهل العلم: سماه الله «كلمة» من حيث كان تقدم ذكره في توراة موسى وغيرها من كتب الله وأنه سيكون، فهذه كلمة سبقت فيه من الله، فمعنى الآية، أنت يا مريم مبشرة بأنك المخصوصة بولادة الإنسان الذي قد تكلم الله بأمره وأخبر به في ماضي كتبه المنزلة على أنبيائه، واسْمُهُ في هذا الموضع، معناه تسميته، وجاء الضمير مذكرا من أجل المعنى، إذ «الكلمة» عبارة عن ولد.
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 435