فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم، فـ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} توحيد {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} توحيد {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} توحيد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} توحيد {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد، الذين أنعم عليهم {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 1 - 7) الذين فارقوا التوحيد.
وكذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد، وشهدت له به ملائكته وأنبياؤه ورسله. قال تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم * إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} (آل عمران: 18، 19).
فتضمنت هذه الآية الكريمة إثبات حقيقة التوحيد، والرد على جميع طوائف الضلال، فتضمنت أَجَلّ شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها، مِن أجلّ شاهد بأجلّ مشهود به، وعبارات السلف في شَهِدَ تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه، فلها أربع مراتب:
فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته.
وثانيها: تكلمه بذلك، وإن لم يُعلم به غيره، بل يتكلم بها مع نفسه، ويذكرها وينطق بها أو يكتبها.
ثالثها: أن يعلم غيره بها بما يشهد به، ويخبره به، ويبينه له.
رابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمره به.
فشهادة الله سبحانه وتعالى لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط، تضمنت هذه المراتب الأربع؛ علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإعلامه وإخباره لخلقه به، وأمرهم وإلزامهم به.