وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} (النجم: 13 - 15) وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها جنةَ المأوى، كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحدَكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدُك حتى يبعثكَ الله يوم القيامة)) أخرجه مالك في (الموطأ) ومن طريقه البخاري، ومسلم، وفي (صحيح مسلم) من حديث أنس: ((وايم الذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلًا وبكيتم كثيرًا، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار)) أخرجه مسلم، والنسائي.
معنى الاستثناء في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلَّا مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذ} (هود: 108).
اختلف السلف في هذا الاستثناء، فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها لا لكلهم، وقيل: هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلى أن أرى غيرَ ذلك. وأنت لا تراه، بل تجزم بضربِه، وقيل: "إلا" في الآية بمعنى الواو، وهذا على قول بعد النحاة، وهو ضعيف، وسيبويه يجعل "إلا" بمعنى لكن، فيكون الاستثناء منقطعًا، ورجحه ابن جرير، وقال: إن الله لا خلف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله تعالى: {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذ}.
قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولًا إلا ما شئت، أي: سوى ما شئت، ولكن ما شئت من الزيادة عليه. وقيل: الاستثناء لإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه