بعد أن استعاد عبد الملك بن مروان العراق، بعث الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش كبير من أهل الشام لاستعادة الحجاز، ومقابلة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وكتب معه أماناً لأهل مكة إن هم أطاعوه، وكان ذلك في سنة 72هـ، وعندما وصل الحجاج إلى مدينة الطائف، نزل بها، ثم سار إلى مكة المكرمة، وحاصرها، ودافع ابن الزبير وأصحابه عن مكة دفاعاً جيداً، وضربوا مثلاً رائعاً في البطولة، إذ استطاعوا أن يصمدوا أمام هذا الجيش المحاصر لهم، ومنعوه من أن يستولي على مكة قرابة سبعة أشهر.
لكن لطول الحصار من ناحية، وكثرة الجيش من ناحية أخرى، أضعف قوة المدافعين، فقلَّت المؤن، وأصابت أهلَ مكةَ مجاعةٌ شديدة اضطر معها المحاصرون إلى القتال، وقد صمد ابن الزبير في المعركة حتى قتل - رضي الله عنه - وعن والديه، وذلك سنة 73هـ [1]. [1] قال ابن عساكر في تاريخ دمشق، 12/ 120: ((عن معاذ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء قال: لما قتل الحجاجُ بن يوسف ابنَ الزبير ارتجت مكة بالبكاء، فأمر الناس فاجتمعوا في المسجد، ثم صعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال بعقب حمد ربه: يا أهل مكة بلغني إكباركم واستفظاعكم قتل ابن الزبير، ألا وإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة، حتى رغب في الخلافة، ونازع فيها أهلها، فخلع طاعة الله، واستكنّ بحرم الله، ولو كان شيء مانع العصاة لمنعت آدم حرمة الجنة، لأن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأباحه كرامته، وأسكنه جنته، فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته، وآدم على الله تعالى أكرم من ابن الزبير، والجنة أعظم حرمة من الكعبة، اذكروا الله يذكركم. وانظر البداية والنهاية لابن كثير))، 12/ 513 - 514.
وقال ابن عساكر أيضاً، 12/ 121: ((عن عطاء بن زياد قال: كنت مع ابن الزبير في البيت فكان الحجاج إذا رمى ابن الزبير بحجر وقع الحجر على ابن الزبير على البيت، فسمعت للبيت أنيناً كأنين الإنسان: أوه)).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية، 12/ 514: ((وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، ثنا عوف عن أبي الصديق الناجي أن الحجاج دخل على أسماء بنت أبي بكر بعدما قتل ابنها عبد الله، فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، وفعل به وفعل، فقالت: كذبت، كان بارّاً بوالديه، صوّاماً قوّاماً، والله لقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج من ثقيف كذابان: الآخر منهما شر من الأول. وهو مبير ...
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المثلة، وسمعته يقول: ((يخرج من ثقيف رجلان: كذاب ومبير، قالت: فقلت للحجاج: أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت هو يا حجاج)).
وفي صحيح مسلم، رقم 2545/ 229 أن أسماء قالت: ((أما إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، فقام عنها ولم يراجعها)).
انظر: البداية والنهاية، 12/ 513 - 515، وتاريخ ابن عساكر، 12/ 121 - 122، وتاريخ الإسلام للذهبي، 6/ 316 - 317.