فقلت له: يا سيدي هذا مقام كريم، فقال: يا إبراهيم رابعة العدوية [1] تقول وهي امرأة: وعزتك ما عبدتك خوفا من نارك ولا شوقا [2] الى جنتك، بل كرامة لوجهك الكريم ومحبة فيك وليس هذا المقام الذي كنت فيه أطلبه، وقضيت عمري في السلوك إليه. ثم بعد ذلك سكن قلقه وتبسم وسلّم علي وودّعني وقال: احضر وفاتي وتجهيزي مع الجماعة وصل عليّ معهم، واجلس عند قبري ثلاثة أيام بلياليهن وبعد ذلك توجه الى بلادك، ثم اشتغل عني بمخاطبة ومناجاة، فسمعت قائلا يقول [بين السماء والأرض] [3] أسمع صوته ولا أرى شخصه: يا عمر فما تروم فقال:
أروم وقد طال المدى منك نظرة ... وكم من دماء دون مرماي طلت
ثم تهلل وجه وتبسم وقضى نحبه، فعلمت أنه قد أعطي مرامه، وكان عنده جماعه (15 ب) كثيرة من الأولياء، منهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه، ومنهم الرجل الذي كان سبب المعرفة به. وحضرت غسله وجنازته ولم أر في عمري جنازة أعظم منها، وازدحم الناس على حمل نعشه، ورأيت طيورا بيضا وخضرا ترفرف عليه، وصلينا عليه عند قبره، ولم يتجهّز حفره الى آخر النهار، والناس مجتمعون حوله وهم مختلفون فيه [4]، فقال قوم: هذا تأديب في حقه، فإنه كان يدّعي في المحبة مقاما عظيما، وقال قوم: بل هذا آخر ما يلقى الولي من أعراض الدنيا، وكلهم محجوبون عن مشاهدة مقامه، إلا من شاء الله، وأنا أنظر بما فتح الله به عليّ من الكشف الى الروح المقدسة المحمّدية، عليها أفضل الصلاة والسلام والرحمة، وهي تصلي إماما وأرواح الأنبياء والملائكة والأولياء [من الإنس والجن] [5] يصلّون عليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، طائفة بعد طائفة، وأنا أصلي مع كل طائفة الى آخرهم، فتجهز القبر ودفن فيه وأقمت عنده ثلاثة أيام [بلياليهن] [6] وأنا أشاهد من حاله ما لا يحتمل عقولكم شرحه. [1] هي رابعة إبنة اسماعيل العدوية البصرية، كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة. توفيت سنة 135 هـ / 752 م. وفيات الأعيان 2/ 285. [2] ولا رغبة، في ديوان ابن الفارض 1/ 15. [3] التكملة من المصدر السابق. [4] في أمره، في المصدر السابق. [5] التكملة من المصدر السابق. [6] التكملة من ديوان الفارض 1/ 15.