responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عصر الدولة الزنكية نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 193
اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً من الكلب محمود .. حتى
ينصر [1]؟ وفي إحدى المعارك سنة ست وخمسين وخمس مائة، قضى الله بانهزام عسكر المسلمين، وبقي الملك العادل مع شرذمة قليلة، وطائفة يسيرة، واقفاً على تلَّ يقال له تل حبيش وقد قرب عسكر الكُفَّار بحيث اختلط رجّالة المسلمين مع رجالة الكُفَّار، فوقف الملك العادل بحذائهم مولَّيا وجهه إلى قبلة الدُّعاء، حاضراً بجميع قلبه مناجياً ربه بسرّه يقول: يا رَبَّ العباد، أنا العبد الضعيف ملَّكتني هذه الولاية وأعطيتني هذه النيَّابة، عمرت بلادك، ونصحت عبادك، وأمرتهم بما أمرتي به ونهيتني عما نهيتني عنه، فرفعت المنكرات من بينهم، وأظهرت شعار دينك في بلادهم، وقد انهزم المسلمون، وأنا لا أقدر على دفع هؤلاء الكفار أعداء دينك ونبيَّك محمد صلى الله عليه وسلم ولا أملك إلا نفسي هذه وقد سلمتها إليهم ذاباً عن دينك وناصراً لنبيك، فاستجاب الله تعالى دعاءه وأوقع في قلوبهم الرُّعب وأرسل عليهم الخذلان فوقفوا في مواضعهم وما جسروا على الإقدام عليه، وظنوا أن الملك العادل عمل عليهم الحيلة، وأن عسكر المسلمين في الكمين، فإن أقدموا عليه تخرج عساكر المسلمين في الكمين فلا ينفلت منهم أحد فوقفوا وما أقدموا عليه [2]. ومن خلال المواقف السابقة يبدو نور الدين لا فدائياً فحسب ولكن فقيهاً بقدر الله متبصر بدور الإنسان في حركة التاريخ، عالماً أن إرادة الله إذا شاءت تهيأت لها الأسباب ولن يعجزها شيء ولو مات أو قتل عشرات القادة والمجاهدين، فإن آخر رجل منهم سيحمل المهمة ويواصل الطريق، ومن ثم يستوي - عبر هذه الرؤية - هذا القائد أو ذاك [3].
وكان نور الدين محمود في أكثر الليالي يصلي ويناجي ربه مقبلاً بوجهه عليه، ويؤدّي الصلوات الخمس في أوقاتها بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجودها [4].وبلغنا عن جماعة من الصوفية الذين يعتمد على أقوالهم ممَّن دخلوا ديار القدس للزيارة حكاية عن الكفار، أنهم يقولون: ابن القسيم، له مع الله سر، فإنه ما يظهر علينا بكثرة جنده وعسكره، وإنما يظفر علينا بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل ويرفع يده إلى الله ويدعو، فالله سبحانه يستجيب دعاءه، ويعطيه سؤله وما يَرُدّ يده خائبة، فيظفر علينا، فهذا كلام الكفار في حقه [5].

إن نور الدين محمود اعتبر الدعاء من أمضى الأسلحة التي تسهم في تحقيق النصر،

[1] كتاب الروضتين نقلاً عن الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 180.
[2] كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/ 377، 378).
[3] نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 44.
[4] عيون الروضتين (1/ 255).
[5] المصدر نفسه (1/ 255).
نام کتاب : عصر الدولة الزنكية نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست