نام کتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 322
عصره، وفريد دهره في الفقه، وعليه مدار الفتوى مع الورع والزهاده وكثرة العبادة [1]، والتواضع التام، ونزاهة النفس [2] وقد شهد أبو الطاهر بن عوف نهاية الدولة الفاطمية الشيعية وقيام الدولة الأيوبية، وقد زار صلاح الدين الإسكندرية في سنة 577هـ، وحرص في هذه الزيارة أن يحضر هو وأولاده وكبار دولته دروس أبي الطاهر بن عوف، وسمعوا عليه جميعاً "موطأ مالك" بروايته عن أستاذه الطرطوشي، روى خبر هذه الزيارة وهذا السماع العماد الأصفهاني، فقد كان مصاحباً لصلاح الدين فيهما، قال: وتوجه السلطان بعد شهر رمضان (577هـ) إلى الإسكندرية على طريق البحيرة وخيم عند السواري وشاهد الأسوار التي جددها والعمارات التي مهَّدها وأمر بالأتمام والاهتمام، وقال السلطان: نغتنم حياة الشيخ أبي طاهر بن عوف. فحضرنا عنده، وسمعنا عليه موطأ مالك رضي الله عنه - بروايته عن الطرطوشي في العشر الأخيرة من شوال، وتَّم له ولأولاده ولنا به السماع (3)
واعتقد الجميع أن صلاح الدين قد حصَّل خيراً كثيراً بتتلمذه عن ابن عوف وسماعه منه، فقد أرسل القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني رسالة جميلة بليغة إلى صلاح الدين يهنئه فيها بهذا السماع ويقارن فيها بين رحلة صلاح الدين مع ولديه لسماع الموطأ على ابن عوف ورحلة هارون الرشيد مع ولديه لسماع نفس الكتاب على مؤلفه الإمام مالك، وفيما يلي نص الرسالة: أدام الله دولة المولى الملك الناصر، صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين محي دولة أمير المؤمنين، وأسعد برحلته للعلم وأثابه عليها، وأوصل ذخائر الخير إليه، وأوزع الخلق شكراً لنعمته فيه فإنها نعمه لا توصل إلى شكرها إلا بإيزاعه، وأودع قلبه نور اليقين فإنه مستقر لا يودع فيه إلا ما كان مستنداً إلى إيداعه، ولله في الله رحلتاه، وفي سبيل الله يوماه، وما منهما إلا أغر محجل.
والحمد لله الذي جعله ذا يومين: يوم يسفك دم المحابر تحت قلمه، ويوم يسفك دم الكافر تحت عَلمَه، ففي الأول يطلب حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم - فيجعل أثره عيناً لا تستر وفي الثاني يحفل لنصرة شريعة هداه على الضلال فيجعل عينه أثراً لا يظهر وقد استغرق الناس همم العلماء في رحلتهم لنقل الحديث وسماعه والموالاة في طلب ثقته وانتجاعه، وصنفوا في ذلك تصانيف قصدوا بها التحريض للهمم والتنبيه، والرفع من أقدار أهله والتنويه، فقالوا: رحل فلان لسماع مسند فلان وسار زيد إلى عمرو على بُعد المكان، هذا وصاحب الرحلة قد نصب نفسه للعلم وشغل به دهره، ووقف عليه فكره، فلا يتجاذب عنان همته الكبائر فما القول في ملك خواطره كأبوابه مطروقة وأمور خلق الله كأمور دينه به معذوقة، إذ هاجر إلى بقية الخير في أضيق أوقاته، وترك للعلم أشد ضروراته، ووهب له أياماً مع أنه [1] المصدر نفسه (21/ 123). [2] الديباج المذهب ابن فرحون ص 95
(3) كتاب الروضتين (2/ 24) ..
نام کتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 322