نام کتاب : تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان - شخصيته وعصره نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 315
وقد فقه عمر بن الخطاب هذا التحذير فكان من سياسته حماية المسلمين من غوائل فتنة المال وزخارف الدنيا، فاجتهد في منع المسلمين من التوسع في بلاد العجم، ولولا ظهور مصلحة أخرى راجحة في توسعهم لبقى المنع قائما، إلا أن هذا التراجع من عمر لم يشمل كبار الصحابة والمهاجرين والأنصار، الذين كانوا بالمدينة إذ بقى المنع في حقهم [1]. ولا شك أن الذي فعله عمر كان يدل على إحساسه وخوفه من انتشار المسلمين في أرض تزخر بألوان الخيرات والأرزاق فتستولي الدنيا على قلوبهم وتفسد عليهم آخرتهم [2]. فلما جاء عهد عثمان وتوسعت الفتوحات شرقا وغربا، وبدأت الأموال تتقاطر على بيت المال من الغنائم والأسلاب, وامتلأت أيدي الناس بالخيرات والأرزاق [3]، وغني عن الإشارة أن النعم والخيرات وتلك الواردات من الفتوح سيكون لها أثرها على المجتمع؛ إذ تجلب الرخاء وما يترتب عليه من انشغال الناس بالدنيا والافتتان بها، كما أنها مادة للتنافس والبغضاء، خاصة بين أولئك الذين لم يصقل الإيمان نفوسهم، ولم تهذبهم التقوى من أعراب البادية وجفاتها، ومن مسلمة الفتوحات وأبناء الأمم المترفة الدخلاء في الإسلام الذين جروا شوطا بعيدا في زخارف الدنيا وبهجتها، واتخذوها غاية يتنافسون فيها.
وقد أدرك عثمان هذه الظاهرة وأنذر بما سيؤول إليه أمر الأمة من التبدل والتغير في كتابه الموجه إلى الرعية: «فإن أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاثة فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم للقرآن» [4].
أما تكامل النعم فيتحدث الحسن البصري -وهو شاهد عيان- عن حالة المجتمع، ووفور الخيرات وإدرار الأموال، وما آل إليه أمر الناس من البطر وعدم الشكر، فيقول: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قلما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا, يقال لهم: يا معشر المسلمين، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على السمن والعسل. الأعطيات جارية، والأرزاق دارَّة، والعدو متقى، وذات البين حسن، والخير كثير ... والأخرى كان السيف مغمدا على أهل الإسلام فسلوه على [1] أحداث وأحاديث الفتنة الأولى، ص565. [2] أحداث وأحاديث الفتنة الأولى، ص565. [3] أحداث وأحاديث الفتنة الأولى، ص566. [4] تاريخ الطبري (5/ 245).
نام کتاب : تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان - شخصيته وعصره نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 315