إن خصوبة الأرض الجزائرية لا شك فيها، وقرب هذه القارة من فرنسا أمر بديهي، كما أن استسلام سكان مدينة الجزائر لا يخفى على أحد. ولكن الاستعدادات العنائية لباقي سكان الإيالة تجاه الفرنسيين قد احتدمت إما بسبب التعصب نظرا لانتهاك المساجد ومعابد المرابطين وحتى مدافن الأموات، وإما كذلك، بسبب الطرق السيئة التي يستغلها المتصرفون الفرنسيون في الجزائر.
إن الحكومة الفرنسية لا تستطيع أن تستفيد من منافع الإيالة دون أن تنفق كنوزها وتعرض شرفها بمحاربة هذا الشعب المعارض لنظرها. ذلك أن تلك الحكومة لن تستخرج منافع الإيالة مني ومن ألف رجل مسالم آخر يستسلمون للظروف. هذا أمر مفروغ منه، ولا أستطيع أن أخادع قرائي، ولا أن أداهن الأمة الفرنسية العظيمة وأقول لها بأنها تستطيع أن تحصل على المنافع المتوقعة في إيالة الجزائر. إن كل من يداهن الحكومة الفرنسية، ويزعم أنه يدلها على وسائل تذليل تلك المصاعب كلها، ليس إلا مناورا يريد أن يغتني على حساب الأهالي وعلى حساب فرنسا نفسها. ولكن، على العكس، فإن أي رجل عادل، والحكومة نفسها لا يستطيعان، حسب براهيني الرياضية المذكورة، أن ينكرا الحقيقة المتمثلة في أن الجزائر حمل ثقيل على فرنسا نظرا لكلفة الاحتلال الباهظة [4] ومن ثمة، فهي عملية تتناقض مع مبادىء الحكومة التي تدعو إلى التخفيف من مصائب الشعب وإلى تحرره. ومن جهة أخرى، فإن نفس تلك الحكومة مضطرة إلى أن تسند إلى عدد قليل من الناس [4] تذكر المصادر أن سنوات الحصار وحدها قد كلفت فرنسا حوالي ثلاثين مليونا من الفرنكات.