فصل في وصف المكان الذي أفضوا إليه عند خروجهم من البحر:
وأفضى بنا الرّكب الى رملة بيضاء، مفضية الى قرارة خضراء، تتفجر فيها عين كعين زرقاء، صفاء مائها، كصفاء إنسانها، وقد أحدق بها النبت كهدب أجفانها، فنهلنا من نميرها، وكرعنا في غديرها، وركزنا رماح الخط، وجعلنا عالينا رباط العصب، وافترشنا مطارف الوشي فوق درائك العشب وجعلنا من اللُّجُمِ أوتاداً موتودة، واتخذنا من الأعنّة أسباباً ممدودة، فقام الخِبا، واستوى البِنا، والماء يقهقه في خريره، والقمري يُقرقر في هديره، والنسيم يعبق عن الروض الزكي، والجو مضمخ بزعفران العشي:
تشدو بعيدان الأراك حمامة ... شدو القيان عزفن بالأعواد
مال النسيم بغصنه فتمايلت ... مهتزة الأعطاف والأجياد
هذي تودع تلك توديع التي ... قد أيقنت منها بوشك بعاد
واستعبرت لفراقه عين النّدى ... فابتل مئزر غصنها الميّاد
وإنّا لكذلك، إذ برقت السماء فسلت مُذهب نصولها، ورعدت فضربت مُنذِرَ طبولها، وجعل يُعَبّئُ مواكبه، وأخذ الرباب يرتب كتائبه،
نام کتاب : خريدة القصر وجريدة العصر - قسم شعراء المغرب والأندلس جـ 2 نویسنده : العماد الأصبهاني جلد : 1 صفحه : 300