نام کتاب : البلاغة 1 - البيان والبديع نویسنده : جامعة المدينة العالمية جلد : 1 صفحه : 450
ومولع بفخاخ ... يمدها وشباك
قالت لي العين: ماذا ... يصيد؟ قلت: كراك
فلفظ "كراك" له معنيان: قريب غير مراد، وهو جمع كركا -طائر رمادي اللون يأوي إلى الماء- وقد ذكر ما يلائمه وهو الصيد: "يصيد". وبعيد مراد وهو الكرى مضافًا إلى ضمير العين. والكرى هو النوم، وقد ذكر ملائم هذا المعنى وهو العين، فهو من التورية المجردة. هذا، وقد تضافر البلاغيون على إدخال قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) في باب التورية وتحديدًا في المجردة منها، وقالوا: إن كلمة: {اسْتَوَى} في الآية لها معنيان: قريب غير مراد وهو الاستقرار الحسي على سرير ونحوه، وبعيد مراد وهو الاستيلاء والمُلك والتمكن، وأن الأول وهو المتبادر إلى الذهن غير مراد؛ لأنه مستحيل في حق الله تعالى، وأما الثاني وهو المعنى البعيد غير متبادر، فهو المراد، وكأن المعنى القريب جيء ليستر ويخفي تحته المعنى البعيد المراد، ولم يذكر في الآية ما يلائم أيًّا من المعنيين، ومن ثم فقد عدوها توريةً مجردةً، وكذا قالوا.
والحق أن هذا الكلام مجافٍ للحقيقة ومخالف للصواب، ذلك أن كلًّا من المعنيين المشار إليهما في كلام البلاغيين غير صحيح بالمرة، فلا الاستواء في حق الله تعالى يعني الاستقرار، ولا هو يعني الاستيلاء، وإنما هو استواء على ظاهره وعلى حقيقته، وهو مخالف لاستواء المخلوقات، وهو له سبحانه على النحو اللائق بجلاله -جل وعلا- دونما تشبيه، أو تأويل، أو تفويض، أو تمثيل، أو تجسيم، أو تعطيل. وتجدر الإشارة إلى أن الاستقرار لا يليق به تعالى؛ لكونه من لوازم البشر، وقد أنكره الحافظ الذهبي في ترجمته للإمام البغوي، كما أنكره كذلك في ترجمته للإمام القصاب، وذلك في كتابه: (العُلو) معللًا ذلك: بأن البارئ -سبحانه وتعالى- منزَّهٌ عن الراحة والتعب، يعني: لكونهما من لوازمه، ولكونه أمرًا زائدا على
نام کتاب : البلاغة 1 - البيان والبديع نویسنده : جامعة المدينة العالمية جلد : 1 صفحه : 450