وأما قسم المباح، فمثَّل له بالتوسع في المستلذات، وليس هذا ببدعة في الشرع، بل إن وصل إلى درجة الإسراف، فهو من المحرمات، الداخلة تحت جنس المعاصي لا البدع، وثمّ فرق بين المعاصي والبدع كما سبق. وقد ناقش الشاطبي في "الاعتصام" هذه الأمثلة مناقشة مطولة.
5 - أن المعروف عن العز بن عبد السلام- رحمه الله- أنه كان مشهوراً بمحاربة البدع، والنهي عنها، والتحذير منها، وقد كان ينهى عن أشياء هي مما يسميه أهل البدع بدعة حسنة. وقد قال شهاب الدين أبو شامة - أحد تلامذة العز بن عبدالسلام-: (وكان أحق الناس بالخطابة والإمامة، وأزال كثيراً من البدع، التي كان الخطباء يفعلونها، من دق السيف على المنبر، وغير ذلك، وأبطل صلاتي الرغائب ونصف شعبان، ومنع منهما).
وقال في كتابه «الفتاوى» (ص/392): «ولا يستحب رفع اليد في القنوت كما لا ترفع في دعاء الفاتحة، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولم يصح في ذلك حديث، وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد؛ ولا يستحب رفع اليدين في الدعاء إلا في المواطن التي رفع فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يديه، ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل، ولم تصح الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في القنوت، ولا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله في القنوت بشيء ولا ينقص» وقال في «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة» (ص7 - 8): «فإن الشريعة لم ترِد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدةٍ منفردةٍ لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط، وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها.
فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسكٍ واقعٍ في وقته بأسبابه وشرائطه؛ فكذلك لا يتقرب إليه بسجدةٍ منفردةٍ، وإن كانت قربة، إذا لم يكن لها سبب صحيح.
وكذلك لا يتقرب إلى الله بالصلاة والصيام في كل وقتٍ وأوانٍ، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون» ...
3 - ابن الجوزي:
قال: (فان ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ولا يوجب التعاطي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزا حفظا للأصل وهو الإتباع)
وكلامه هذا لا يفهم منه بوجه من الوجوه قوله بالبدع المحدثة، وقبل توجيه كلامه سوف أنقله كاملا: