وأما تسويته بين البدع التي يقصدها هو وبين المصالح المرسلة وجعله الخلاف لفظي فخطأ بيّن وقد سبق بيان وجوه الافتراق بين البدع والمصالح المرسلة.
- وقد ساق هو وغيره بعض الأدلة التي يظنون أنها تؤيد قولهم بصحة التقسيم المذكور للبدع، وظنوا أنهم يخصصون أدلة الذم العامة للبدع بها، ومن هذه الأدلة ما يلي:
أولا –
- استدلوا بقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]
قال عيسى الحميري في "البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع" (ص/31): (وخلاصة القول في هذه الآية ما حكاه عبد الله بن صديق الغماري في كتابه (إتقان الصنعة): فقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} قد استنبط العلماء من هذه الآية مجموعة من الأحكام منها:
- إحداث النصارى لبدعة الرهبانية من عند أنفسهم.
- عدم اعتراض القرآن على هذا الإحداث، فليس في الآية – كما قال الرازي والألوسي ما يدل على ذم البدعة.
- لوم القرآن لهم بسبب عدم محافظتهم على هذه البدعة الحسنة: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} واللوم غير متجه للجميع، على تقدير أن فيهم من رعاها كما قال ابن زيد، وغير متوجه لمحدثي البدعة كما قال الضحاك، بل متوجه إلى خُلفهم كما قال عطاء، ثم قال: ومن خلال هذا التحقيق يتبين لنا خطأ ما ذهب إليه الإمام ابن كثير رحمه الله حيث قال في تفسيره: وقوله تعالى: " إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ " أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام، وهذا ذم لهم من وجهين:
أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.
والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل ... )
الجواب عن كلامه من وجوه:
الأول – أن محصل ما ذكره من ابتداعهم للرهبانية، وأن الله لم يذمهم على هذا الابتداع يدل على أن الحجة هنا في الإقرار وليس في الابتداع، وسوف يأتي نظيره من أفعال الصحابة رضي الله عنهم.
وإنكاره على الحافظ ابن كثير أن يكون الإنكار من الله عزوجل على الابتداع يؤيد أن الحجة عنده في الإقرار وليس في الابتداع.