الثالث – أن تسمية ما جاء فيه الترخيص في آخر الزمان من البعد عن الفتن رهبانية مخالف لمقصود الشرع بل هو فرار بدينه. ويوضحه:
الرابع – أن الرهبانية تشمل المعاني الثلاث، وإقرار الله عزوجل لهم يشمل جميع معانيها فالاستدلال ببعض معانيها في شرعنا دون البعض تحكم بلا دليل، وكان الأولى أن يقول أن هذا ليس من شرعنا، وقد جاء في شرعنا النهي عن الرهبانية والتبتل والاختصاء فليس من شرعنا، وقد رخص الشارع عند فساد الزمان في البعد عن الفتن.
فظهر بهذا أنه لا حجة في الآية على القول بالبدع الحسنة، وأنها لا تصلح لتخصيص عموم أدلة الذم عن البدع.
ثانيا – حديث: (من أحدث ... ).
قال عيسى الحميري في "البدعة الحسنة" (ص/105) [1]: (وأما حديث: "كل بدعة ضلالة" فهو عام مخصوص خصصه الحديث الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فلو كانت كل بدعة ضلالة بلا استثناء ولا تخصيص لقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا شيئاً فهو رد ولكنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
فأفاد صلى الله عليه وسلم بقوله هذا أن من أحدث في أمر الدين ما هو منه فليس برد، وهذا تقسيم صريح للبدعة إلى حسنة وسيئة.
وفي رواية للبغوي: "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية لمسلم: "من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد".
وأفاد هذا الحديث برواياته ما يلي:
أ- جواز إحداث البدعة الحسنة إذا كانت موافقة لأصل من أصول الدين.
ب- عدم جواز إحداث البدعة إذا كانت مخالفة لأصل الشرع، يؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرنا"، و "ديننا"، فهو شامل لكل المحدثات سواء كانت من العبادات أو المعاملات أو غير ذلك، لأن كلمة "أمرنا" و "ديننا" كلمة عامة، فكل ما له أصل عام فهو مقبول يندرج تحت البدعة الحسنة، وكل ما ليس له أصل عام فهو مردود من البدع السيئة، وهذا نص الحديث ينطق بالحق. [1] وانظر: "إتقان الصنعة" (ص/18).