الخامس – قوله: (ثم إن رسول الله صلى «الله عليه وسلم إذا كان قد انتقل إلى الرفيق الأعلى وانقطع الوحي، فإن نصوص القرآن والسنة ما زالت موجودة محفوظة ولله الحمد، وما زالت قواعد الشرع الحنيف ومقاصده قائمة معلومة يعرض عليها كل محدث وجديد، فإن قبل في ميزانها كان بدعة حسنة، وإلا فهو بدعة ضلالة نبرأ إلى الله منها) وهذا الحدث الموافق لقواعد الشرع لا يخلو من أن يكون إما في العادات والمعاملات، أو في العبادات، والأول سبق وأن ذكرنا أمه من قبيل المصالح المرسلة بضوابطه الشرعية، وأما الثاني فإنما هو منه من قبيل الاستدلال بمحل النزاع فلا يقبل منه بل الراجح أن نرده للعلل سالفة الذكر والتي تبين مناقضة البدعة للشريعة وكمالها، كما أن الأصل في العبادات التوقف والمنع، ولا يلزم أن يأتي الشرع موافقا لما يستحسنه العقل وقد سبق الكلام على ذلك.
السادس – قوله: (ولسنا ندعي حسن البدعة دون ضوابط وقواعد وعرض على الكتاب والسنة، بل لذلك شروط وقواعد لابد منها سنعرض لها إن شاء الله تعالى في خاتمة بحثنا).
يشير إلى قوله في "البدعة الحسنة" (ص/114): (أهم الضوابط والشروط التي ينبغي أن تتوفر في البدعة حتى تكون حسنة، وذلك مما فهمناه من تدبرنا في الآثار وأقوال العلماء ونصوصهم في هذه القضية.
الشرط الأول:
أن تكون البدعة في أمر من أمور الدين التعبدية، لا في العادات والأمور المعاشية التي لا تعبد فيها، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وقد سبق أن قلنا: إن مفهوم هذا الحديث: من أحدث في أمرنا هذا ما هو منه فهو مقبول غير مردود. وشاهدنا هنا قوله صلى الله عليه وسلم "في أمرنا هذا"، وفي الرواية الأخرى "في ديننا"، وذلك يعني أن الإحداث في غير الدين من العادات ومما لا تعبد فيه لا يوصف في اصطلاح الشرع بكونه بدعة هدى أو بدعة ضلالة، فإن أحداً من العقلاء لا يقول مثلاً: إن ما أحدث بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ركوب الطائرات والسيارات وغيرها من البدع، سواء في ذلك الحسنة والقبيحة ...