فإن ثبت ذلك فاعلم أن البدعة الشرعية أخص من البدعة اللغوية، ومن المقرر عند أهل الأصول [1] أن ثبوت الأخص بالضرورة يوجب ثبوت الأعم، إذ يلزم من كونها بدعة شرعية ثبوت كونها بدعة لغوية، وأما ثبوت الأعم فلا يوجب ثبوت الأخص فإن ثبوت كونها بدعة لغوية لا يوجب ثبوت كونها بدعة شرعية.
قال الشيخ الغامدي في "حقيقة البدعة" ([1]/ 416): (قول عمر رضي الله عنه: (نعمت البدعة هذه)، ينصرف إلى البدعة اللغوية لا الشرعية، وذلك لأمور:
الأول: أن صلاة التراويح جماعة قد ثبت فعلها جماعة ً على إمام واحد في عهده صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن يسمي عمر هذه السنة الثابتة بدعة إلا من باب اللغة.
الثاني: أن صرف قول عمر إلى البدعة اللغوية هو الأولى والأجمل بالفاروق ومنزلته رضي الله عنه، فهل يعقل أن يرضى عمر بالبدعة في دين الله وقد تلقى مع غيره من الصحابة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة)؟! مع ما عرف عنه رضي الله عنه من حرص على إتباع السنة ومحاربة البدعة، بل وقطع كل ذريعة تؤدي إلى البدعة.
الثالث: أنه يرد في استعمال الصحابة بعض المصطلحات الشرعية بمعانيها الأصلية في لغة العرب، كقول أُبي بن كعب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا ً تكفى همك ويغفر لك ذنبك) ومراده بقوله صلاتي: " دعائي "، كما في الرواية الأخرى للحديث ألا أجعل دعائي لك كله).
وكقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر ٍ من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له ... ) الحديث. والمراد: أنه طأطأ رأسه وانحنى له، والسجود بالمعنى الشرعي هو: الجلوس على الأعضاء السبعة عبادةً لله سبحانه، وليس هذا هو مراد أم المؤمنين في وصفها للبعير، وإنما مرادها المعنى اللغوي.
وقد فهم جماعة من العلماء هذا المراد من قول عمر رضي الله عنه ونصوا على ذلك في كلامهم، وإليك قول طائفة منهم على سبيل التمثيل:
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم: (فكل من أحدث شيئا ً ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريءٌ منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع [1] انظر المستصفى للغزالي (1/ 34) وغيره.