المبحث الثالث - توجيهاتهم الأخرى لأدلة ذم البدع:
قالوا بحمل هذه الأحاديث على المعاصي ([1]):
قال الشيخ سليم الهلالي في "البدعة وأثرها السيء" (ص/85): (لا يجوز حمل قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" على المعاصي التي نهى عنها الشارع الحكيم بخصوصها مثل الزنا، السرقة، الربا ... الخ؛ لأن هذا تعطيل لفائدة الحديث، وهو نوع من التحريف والإلحاد، وفيه من المفاسد أشياء:
(أ) سقوط الاعتماد على هذا الحديث، فإن المنهي عنه علم حكمه بذلك التخصيص.
(ب) إن اسم البدعة يكون عديم التأثير.
(ت) ليس كل بدعة جاء نهي عنها خاص، وليس كل ما جاء فيه نهي خاص بدعة، فالتكلم بأحد الاسمين وإرادة الآخر تلبيس وتدليس.
(ث) مساواة البدع بالمعاصي، والحقيقة أن البدع شر من المعاصي ...
(جـ) وقصر البدع على الأمور المنهي عنها بخصوصها لا ينطبق على البدع؛ لأن البدع لا يدل على شرعيتها دليل أصلاً، أما العاصي فدل الدليل على شرعية اجتنابها والبعد عنها).
قالوا بحمل هذه الأحاديث على البدع المذمومة:
قال الحميري في (ص/37): (البدعة في هذا الحديث - أي قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" - تشمل البدعة الواحدة والأكثر، والبدعة الحسنة والبدعة السيئة.
ومما جاء بصيغة التخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتدع بدعة ضلالة، لا ترضي الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً"، ففي هذا الحديث خصص الرسول صلى الله عليه وسلم البدعة المحرمة بأن تكون سيئة لا توافق عليها الشريعة.
والقاعدة الأصولية أنه إذا ورد عن الشارع لفظ عام ولفظ خاص قدم الخاص، لأن في تقديم الخاص عملاً بكلا النصين بخلاف ما لو قدم العام فإن فيه إلغاء للنص الخاص.
فيكون المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة": البدعة السيئة وهي: ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام ... [1] وقد سبق بيان وجوه الاتفاق والافتراق بين البدع والمعاصي فراجعها.