أوجه الفعل الواحد، ويتضح ذلك بالمثال:
فمن لبس ثوباً بلون معين ولم يرد بذلك القربة فلا يوصف هذا العمل بالبدعة؛ لأنه مباح، إلا إذا لحقته أمور منهي عنها، كالإسبال والاشتهار، فإنه يكون معصية.
أما إذا أراد بذلك الثوب المعين، واللون المعين القربة، أو ألحق به وصف استحسان أو ندب أو إيجاب، فإنه يكون حينذاك بدعة، كما تفعل طوائف الصوفية التي تشترط لوناً معيناً لمريدي طريقتها ... وهذا الشرط - الذي هو قصد القربة - هو ما عناه الشاطبي في تعريفه للبدعة بقوله: (طريقة في الدين تضاهي الشريعة ... ) [1] ثم شرح ذلك بقوله: ( ... يعني أنها تشابه الطرقة الشرعية، من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة - إلى أن قال -: فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة؛ لأنها تصير من باب الأفعال العادية ... ) [2] ومن هذه المضاهاة طلب القربة من الله - سبحانه - ... ثم قال: مع أن المضاهاة من ألزم صفات البدعة ... ومن آكد أوجه المضاهاة بين البدعة والسنة قصد القربة ... )] [3].
وقوله: (وقصد القربة يراد به: إلحاق حكم شرعي بعمل محدث، كالندب والاستحباب والإيجاب أو الكراهة والتحريم) غير صحيح، وغير مطرد، فقد ينسب البعض حكم شرعي لبعض المحدثات لترويجها، وهو يعلم أنه كاذب فلا يكون مبتدعاً، فما هي إلا معاصٍ تراكم بعضها على بعض، وأما البدعة الاصطلاحية فشيء آخر شرطها نية التقرب لا مجرد الإلحاق.
وقوله: (ويراد به كذلك استحسان الفعل المحدث، وإن لم يلحق به حكماً شرعياً، وإن كان ذلك غير متصور؛ لأن من لوازم استحسانه إلحاق وصف شرعي به، وإلصاق حكم تشريعي بالبدعة) وهو كسابقه، والتعبير بالاستحسان أوسع من موضوع الابتداع، فقد يكون الاستحسان مقدمة للبدعة، وقد يكون حجة شرعية على تفصيل ليس هذا محله.
والمستحسن قد يستحسن الفعل _ سواء أكان لدليل شرعي، أو لدليل عقلي، أو لأمر يقدح في نفسه ولا يستطيع أن يعبر عنه - ولا يكون هذا الأمر المستحسن من أمور البدع بل قد يكون من باب المصالح المرسلة، أو حتى من الأمور العادية ولا ينوي بها التقرب [1] الاعتصام 1/ 37. [2] المصدر السابق 1/ 39. [3] الغامدي: 1/ 291: 298.