responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 192

وكمثال على ذلك، فقد رأيت رجلا يلهث من العطش.. لكنه بدل أن يضع فمه في صنبور الماء ليشرب، رأيته يضع أذنه، ثم يصيح ألما بسبب الماء الذي دخلها.. ثم يعاود الكرة، ويضع يده.. وهكذا كان حاله..

ورأيت آخر يحمل إناء، فتصورت أنه قد اهتدى إلى الحيلة التي يصل بها إلى الماء، لكني رأيته يقلب الإناء، ويضعه أسفل الحنفية، منتظرا أن يمتلئ.. ولكنه يظل فارغا.. فيرميه بقوة، ويصرخ في وجهه بكل ألفاظ البذاءة.

أبيقور اليوناني:

ورأيت رجلا كانت عليه ملامح الفلاسفة القدماء، فتحيرت أن يكون في هذا المحل.. وتحيرت أكثر عندما رأيته يجلس هادئا متأملا في المحيطين حوله، وقد تصورت أنه مختلف عنهم، لكني بعد أن سمعت حديثه، عرفت أنه أحدهم، ولا يختلف عنهم إلا في كونه أكثر هدوءا، وأقل صخبا.. لكن صدى الصوت الصادر من داخله، والذي أتيح لي أن أسمعه كان أكثر ألما وحزنا وشعورا بالعبث واللاجدوى.

ما هي إلا لحظات حتى قام من مجلسه، وقال يخاطب المحيطين به: قفوا جميعا.. فأبيقور[1] الصادق يريد أن يحدثكم.. فاسمعوا له.. لقد كنتم جميعا في نشأتكم الأولى تلاميذ لفلسفته الممتلئة بالإفلاس، فاسمعوا لنا آخر النتائج التي وصل إليها..

لقد كنت أقول لكم: إن اللذة هي الخير الأسمى.. وأنها وحدها غاية الحياة السعيدة.. وأن على الإنسان أن يسعى لأجلها، ويجعلها هدفه الأعلى، ومطلبه الأسمى، ومعبوده


[1] إبيقور(341-270 ق.م) فيلسوف يوناني قديم، وصاحب مدرسة فلسفية سميت باسمه (الإبيقوريّة)، كتب أبيقور كثيراً حتى أنه فاق العديد من الفلاسفة، وبلغت مؤلفاته 300 كتاب كانت من خالص فكره.. وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، إلا أن البعض الآخر يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم.. وهكذا اختلفوا في إيمانه وإلحاده، فبعضهم يعتبره ملحدا لا يؤمن بإله، وبعضهم يعتبره ملحدا لكونه أنكر الوثنية، ولم ينكر الله نفسه.

نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 192
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست