ابتسم، وقال: هناك أربعة دعاوى تتعلق بهذا، لكل دعوى برهانها،
وهي تشكل جميعا البرهان الدال على حدوث الكون[2].
قلت: فما الدعوى
الأولى، وما برهانها؟
قال:
نحن ندعي أن العالم مكون من أجسام وأعراض.. فالأجسام هي ما قامت بنفسها.. والأعراض
ما قامت بغيرها وهي الأجسام ومثالها الحركة والسكون والافتراق والاجتماع.
ولا
أظن أنك تجادلني في هذا.. فالإنسان ـ مثلا ـ يبدأ نطفة، ثم يتحول علقة، فمضغة، ثم
يكتمل خلقه فى رحم أمه، ثم يولد فيصير طفلا، فشابا، فكهلا، فشيخا، حتى يدركه الموت..
فكلها تغيرات مرتبطة بالزمن.. ويقاس على ذلك كل ما فى الكون من جزئيات.. فكل ما فى
الكون متغير.
قلت: لا أجادلك في
هذا.. فما الدعوى الثانية؟
قال:
نحن ندعي أن الأعراض محدثة.. والدليل على ذلك أنها تعدم.. والقديم لا يعدم..
قلت: فما الدليل
على عدمها؟
[1] ذكرنا هنا أدلة المتكلمين..
والعلماء المحدثون يستدلون على الحدوث بأن الكون لو كان قديما لاستهلكت طاقته منذ
زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود، وهذا ما يؤكده العلم التجريبي في (القانون
الثاني للحرارة الديناميكية)، والذي ينص على أن الطاقة في الكون تقل تدريجياً
بصورة مطردة.
[2] هذا الدليل هو متمسك المتكلمين
على اثبات حدوث العالم، وهو مذكور في أكثر كتب الكلام كالتمهيد للباقلانى، وأصول
الدين لعبد القاهر البغدادى، وشرح المقاصد للتفتازانى وشرح العضدية للجرجانى.. وقد
عبر الباقلاني عنه باختصار في الإنصاف مستدلا له بالنقل، فقال: (يجب أن يعلم: أن
العالم محدث؛ وهو عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، والدليل على حدوثه: تغيره من
حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة، وما كان هذا سبيله ووصفه كان محدثاً، وقد بين نبينا
a هذا بأحسن بيان يتضمن أن جميع
الموجودات سوى الله محدثة مخلوقة، لما قالوا له: يا رسول الله: أخبرنا عن بدء هذا
الأمر؟ فقال: نعم. كان الله تعالى ولم يكن شيء، ثم خلق الله الأشياء فأثبت أن كل
موجود سواه محدث مخلوق. وكذلك الخليل u، إنما استدل على حدوث الموجودات بتغيرها
وانتقالها من حالة إلى حالة؛ لأنه لما رأى الكوكب قال:﴿ هَذَا
رَبِّي)(الأنعام: من الآية76)، إلى آخر الآيات، فعلم أن هذه لما تغيرت وانتقلت من
حال إلى حال دلت على أنها محدثة مفطورة مخلوقة، وأن لها خالقاً، فقال عند ذلك وجهت
وجهي للذي فطر السموات والأرض)
نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 299