نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 42
تخالجه تأتي قسراً لا طوعاً، وعاداته
واقفة تحت سيطرة الذين يحملونه على التخلي عنها.. ويتعدل الإنسان ويتغير بلا
انقطاع نتيجة أسباب وعلل مرئية أو خفية ليس له سلطان عليها ولا تحكم فيها، وهي
بالضرورة تنظم أسلوب وجوده وتصبغ تفكيره بصبغة معينة، وتقرر طريقة تصرفه وأفعاله،
فهو طيب أو رديء، سعيد أو تعس، عاقل أو أحمق، ومتعقل أو غير متعقل دون أن يكون
لإرادته دخل في أي من هذه الحالات المختلفة)[1]
طبعا لم يكن لي بد من هذا القول..
بل ليس هناك بد لأي ملحد إلا أن يقول هذا .. ذلك أن الحرية الحقيقية لا تتناسب إلا
مع القول بوجود الله .. واعتقاد إرادته المطلقة وقدرته المطلقة.. في ذلك الحين فقط
نتخلص من أسر الطبيعة وقوانينها.
ولهذا نرى المؤمنين الذي تنزلت
عليهم الأمراض الشديدة التي يحكم الطب باستحالة علاجها، لا ييأسون من علاجها،
لأنهم يعلمون أن هناك إله قادر على كل شيء.. وما دام قد خلق الداء، فلا يعجز عن
خلق الدواء.
سكت قليلا، ثم راح يصرخ: ما أشد
غروري، وغرور العلماء المعاصرين لي.. لقد كنا نتصور أن ما وصلنا إليه هو كل شيء..
لكن جاء من بعدنا، ليثبت، وبالعلم والعقل أن كل تلك التصورات التي كنا نتيه بها
كانت خاطئة، ولا حظ لها من العلمية.
لقد أثبتت الحقائق العلمية في
القرون التالية، وبالضبط في القرن العشرين أن مبدأ الحتمية الذي كنا ننادي به،
ونعتبره حقيقة مطلقة، ليس مطلقا، ولا يصدق إلا على العناصر الأولية التي تتكون
منها الظواهر الطبيعية، أو عالم الماكروفيزياء، أما عالم الميكروفيزياء، أي
الظواهر المتناهية في الصغر فهو يفلت من قيود الحتمية، ويدخل في مجال آخر، هو مجال
اللاحتمية.