قلت: عجبا.. ما
أعظم التشابه بين أستاذك الغزالي وأستاذي ديكارت.. فقد ذكر هو الآخر هذا الجانب،
وما ينشأ عنه من إشكالات، فقال: (ينبغي علي هنا أن أعتبر أني إنسان، وأن من عادتي
لذلك أن أنام، وأني أرى في أحلامي عين الأشياء التي يتخيلها أولئك المخبولون في
يقظتهم؛ بل قد أرى أحياناً أشياء أبعد عن الواقع مما يتخيلون.. كم مرة وقع لي أن
أرى في المنام أني في هذا المكان، وأني لابس ثيابي، وأني قرب النار، مع أني أكون
في سريري متجرداً من ثيابي، يبدو لي الآن أني لا أنظر إلى هذه الورقة بعينين
نائمتين، وأن هذا الرأس الذي أهزه ليس ناعساً.. لكن عندما أطيل التفكير في الأمر،
أتذكر أني كثيراً ما انخدعت في النوم بأشباه هذه الرؤى، وعندما أقف عند هذا الخاطر
أرى بغاية الجلاء أنه ليس هناك أمارات يقينة نستطيع بها أن نميز بين اليقظة والنوم
تمييزاً دقيقاً، فيساورني الذهول، وأن ذهولي لعظيم، حتى يكاد يصل إلى إقناعي بأني
نائم)[2]
قال: لم يتوقف
شك أستاذي على تأثير المنام على الإدراكات الحسية.. بل إنه امتد ليشمل المدركات
العقلية أيضاً، فالمنام تخيل، والتخيل قوامه الصور الحسية التي تختزنها الذاكرة..
وهذا حال المحسوسات، فما هو مصير المعقولات.. أو الضرورات العقلية؟
لقد ذكر أستاذي الغزالي تلك الشكوك التي
راودته حول العقليات، فقال: (فلعله لا ثقة إلا بالعقليات التي هي من الأوليات
كقولنا: العشرة أكثر من الثلاثة، والنفي والإثبات لا يجتمعان في الشيء الواحد،
والشيء الواحد لا يكون حادثاً قديماً، موجوداً معدوماً واجباً محالاً)[3]