نام کتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 357
للأشياء مادية
براغماتية لا مبدئية وأخلاقية.
في تلك الأيام
التقيت أول من أرشدني إلى الاهتمام بهذا النوع من التفكير، وقد كان من كبار
المفكرين المطلعين على الفلسفات المادية والناقدين لها، كان اسمه [علي عزت بيجوفيتش]،
وقد كان حينها رئيس البوسنة والهرسك، ولكن مع ذلك كان في غاية التواضع والأدب..
وما كان له ليكون كذلك لو لم يكن ممتلئا بالقيم الإيمانية.
قال لي، وهو
يحاورني[1]:
لقد لاحظت من خلال مقارناتي الكثيرة بين الموقف المادي من الأخلاق والقيم والموقف
الإنساني أن الأخلاق المادية تنطلق من التسوية بين الإنسان والمادة، وبذلك يصبح
الهدف الوحيد لكل منهما هو البقاء.. وآلياته الأساسية هي الذكاء والقوة.. في هذا
الإطار المادي لا يمكن أن نتحدث إلا عن الفعل ورد الفعل.. فالمثير المادي تتبعه
استجابة مادية بلا تردد أو ثنائيات أو ذكريات أو كوابح أو محرمات.
وفي هذا الصراع من أجل
البقاء المادي لا يفوز الأفضل بالمعنى الأخلاقي، وإنما الأقوى،
والأكثر تكيفا مع قوانين الطبيعة، أي الأفضل بالمعنى الطبيعي المادي.. لا الأفضل بالمعنى الإنساني..
قلت: فما سر
هذا الفرق؟.. ولم كان الأمر كذلك؟
قال: تفسير
ذلك سهل.. لأن صوت الطبيعة الذي عبر عنه نيتشه الذي دعا إلى قتل الإله هو: (تخلَّص من الضمير
والشفقة والرحمة.. اقهر الضعفاء واصعد فوق جثثهم)
وهو ما عبر
عنه نيتشة ـ عند حديثه عن المجتمعات الإنسانية ـ بقوله:(الإنسان جاء إلى الحياة
ليتمتع بما فيها، وكل ما يهيء له طريق التمتع فهو خير، وما يقال عن تساوي الخلق
بعضهم مع بعض خطأ، بل الحق أن في الناس سادة وعبيدا، وعلى العبيد أن يهيئوا وسائل