نام کتاب : الكون بين التوحيد والإلحاد نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 152
ومخابرنا التي نتباهى بها.
التفت لزملائه، وقال: هل يمكن لأحد منكم أن
يدعي أنه اخترع جهازا يستطيع أن يفكر.. لا كما يفكر الإنسان، وإنما كما يفكر النمل
والحشرات؟
هل فيكم من استطاع أن يخترع آلة ذكية تشبه الزنبور
الذي يصيد الجندب، ويحفر حفرة في الأرض، ويحز الجندب في المكان المناسب تماما حتى
يفقد وعيه، ولكنه يعيش كنوع من اللحم المحفوظ لأولاده قبل أن يولدوا؟.. فأنثى
الزنبور تغطي حفرة في الأرض، وترحل فرحا، ثم تموت.. فلا هي ولا أسلافها قد فكرن في
هذه العملية، ولا هي تعلم ماذا يحدث لصغارها، أو أن هناك شيئا يسمى صغارا.. بل
انها لا تدري أنها عاشت وعملت لحفظ نوعها.
وهكذا نرى النحل والنمل تدرك كيف تنظم وتحكم
نفسها، فلها جنودها، وعمالها، وعبيدها، ويعاسيها.. حتى أننا إذا التقطنا قطعة
كهرمان على شاطئ البلطيق، فقد نجد بها نملة محبوسة منذ دهور لا تعد، ونجدها نسخة
طبق الأصل من النمل الموجود الآن.. فهل وقف التطور عن سيره حين طوبق بين النملة
وبيئتها في الطبيعة؟.. وهل كان ذهن النملة الصغيرة، أداة أشد ضآلة من أن تضطلع
بغرض أكبر [1] ؟
لكن مع كل ذلك الوعي الذي يبدو عليه الحيوان،
فإن الإنسان يظل متفردا من بينها
[1]
الاهتمام العلمي
الحديث بعالم النمل يذكرنا بالإمام علي ودعوته للتأمل فيها وفي غيرها من
الحيوانات، ومن الأمثلة على ذلك قوله في وصف النملة (في نهج البلاغة): (انظروا إلى
النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر،
كيف دبت على ارضها وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقر لها،
تجمع في حرها لبردها، وفي ورودها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها
المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس، ولو فكرت في
مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من
عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا.. فتعالى الذي أقامها على
قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطراته فاطر، ولم يعته في خلقها قادر)
نام کتاب : الكون بين التوحيد والإلحاد نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 152