نام کتاب : الحياة تصميم لا صدفة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 186
كان هذا الحديث بين الشيخ والشاب بداية
حصول أول نخر في قناعتي بنظرية التطور، وربما يكون السبب في ذلك هو ذلك الهدوء
والأدب والحوار الطيب الذي أبداه الشيخ، مقارنة بما أبداه الشاب من تهور وصلف
وعنجهية.. وقد كان ذلك سببا نفسيا كافيا لي في إعادة النظر في كل قناعاتي حول تلك
النظرية المجنونة.
لكن ذلك السبب لم يكن الوحيد، بل كان
بجانبه سبب علمي وعقلي راح يلح على ذهني كل حين، ويدعوني إلى مراجعة قناعاتي..
ذلك أني وجدت بعد أن فتح لعقلي مجال
التأمل ـ بسبب كلمات الشيخ ـ أن الانتقاء الطبيعي الذي يقول به الداروينيون لا
يملك القدرة على إضافة عضو جديد إلى كائن حي أو إزالته منه، أو تغيير نوع كائن حي
إلى نوع آخر على عكس الصورة التي يذكرها دعاة نظرية التطور.. فلم يتمكن أعظم دليل
تم تقديمه منذ زمن داروين إلى يومنا هذا من المضي أبعد من دليل الاصطباغ الصناعي
لفراشات الثورة الصناعية في إنكلترا، وهو دليل غير كاف بتاتا، بل هو نوع من
المصادرة على المطلوب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانتقاء الطبيعي
ـ بوصفه أحد العمليات الطبيعية ـ كان أمراً مألوفاً بالنسبة لعلماء الأحياء قبل
دارون، وقد عرّفوه على أنه آلية تحافظ على ثبات الأنواع دون إفسادها.. لكن داروين لم
يكتف بما ذكره علماء الحياة قبله، وإنما راح يذكر أن لهذه العملية قوة تطويرية، بل
أقام نظريته بأكملها على أساس هذا الجزم.. بل إن الاسم الذي أطلقه على كتابه، وهو
[أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي] يشير إلى هذا.
***
بينما كانت الخواطر تتجول في أنحاء ذهني
بمثل تلك المعاني إذ دخل العربة التي كنت فيها مع الشيخ والشاب رجل يبدو عليه
الوقار، وما إن رآه الشاب حتى أسرع إليه يصافحه بحرارة، ويقول: مرحبا بك أستاذي
الكبير.. هذه فرصة عظيمة لأن أراك.
نام کتاب : الحياة تصميم لا صدفة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 186