responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 399

وحتى نقرب هذا للقارئ نذكر أنه إذا عرفنا أن طبييا ما منزه عن الجهل والحقد والظلم، وفي نفس الوقت ممتلئ بكل صفات الرحمة والحكمة واللطف، نصحنا باستعمال دواء مر، أو حمية قاسية، فإن هذا لا يجعلنا ننظر إلى ذلك الطبيب بحقد أو قسوة، وإنما ننظر إليه بتقدير واحترام، لأنه لم ينطلق من تلك النصيحة إلا من خلال رحمته ولطفه.

وقد أشار رسول الله (صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم) إلى هذا المثال حين رأى امرأة قد فرق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما وجدت صبياً أخذته فألصقته بصدرها وهي تبحث على ولدها، فلما وجدته ضمته إليه وألقمته ثديها، فقال رسول اللّه (صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم):(أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه؟)، قالوا:(لا يا رسول اللّه)، قال:(فواللّهِ، للُّه أرحمُ بعباده من هذه بولدها)[1]

بل إن رسول الله (صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم) أخبرنا بأن هذه الرحمة التي وقفتها هذه الأم ليست سوى تجل من تجليات رحمة الله، فقال:(جعل اللّه الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) [2]

ولذلك كان أكثر أسماء الله الحسنى يصب في بحر الرحمة، فتوبة الله على عباده، وتجاوزه عنهم من رحمته بهم، وقد أخبر القرآن الكريم أن ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طـه:5)، وفي ذلك إشارة إلى أن مملكة هذا الكون الواسعة مبنية على أساس الرحمة الإلهية ومنتهية إليها.

فالله تعالى في تلك الآية الكريمة لم يختر من أسمائه إلا هذا الاسم الجليل الذي

كيف تناظر ملحدا..؟، ص400

يجمع بين الدلالة على منتهى الرحمة وكمالها والعلمية على الذات ليدل على هذا المعنى، فإنه إذا قيل:(حكم الملك الشجاع) دل ذلك على ان أكبر منجزات هذا الملك مؤسسة على شجاعته، وإن قيل:(حكم الملك العادل) دل ذلك على أن أبرز ما يظهر في مملكته هو عدله، وهكذا.

وهذا ما نفهمه من الآية الكريمة، فهي لم تقرر معنى الاستواء بقدر ما قررت معنى الرحمة التي على أساسها يحكم الكون، ولكن التحريف اهتم بالاستواء وأوغل فيه مع دقة مسلكه، وكاد يعرض عن معنى الرحمة التي هي المقصود الأول من البيان في هذه الآية، أو كما قال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ (الفرقان:59)

ولهذا يربط القرآن الكريم بين ملك الله الذي يعني تدبير الله للأشياء وبين رحمته تعالى، كما قال تعالى:﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً﴾ (الفرقان:26)

ولذلك ورد في القرآن الكريم الإخبار عن سعة الرحمة الإلهية وشمولها باعتبار الكون مؤسسا عليها إنشاء وتدبيرا، قال تعالى:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (الأعراف: 156)، وقال تعالى:﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأنعام:147)، فالآيتان الكريمتان صريحتان في سعة الرحمة الإلهية وشمولها لكل شيء، ولم يرد في القرآن الكريم اقتران السعة بشيء من صفات الله إلا في صفتي الرحمة والعلم.

وقد جمع الله تعالى بينهما، مع اقترانهما بالسعة في قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ (غافر:7)


[1] رواه البخاري.

[2] رواه البخاري ومسلم.

نام کتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 399
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست