وبقي يفعل ذلك إلى أن أمسكه الممرضون، وحقنوه بحقنة مهدئة، عادت إليه نفسه
بعدها.
التفت إلي وإلى الجميع، وقال: اعذروني.. لم أدر ما أفعل، ولا ما أقول..
قلت: ما الذي حصل؟ هل تذكرت حدثا حصل لك فيما مضى من عمرك؟
قال: أجل.. لم أتذكر حادثا واحدا، بل تذكرت أحداثا كثيرة مؤلمة، كنت فيها
ممتلئا حماقة وغفلة.. كان فيها (غياب المنطق).. و(المكاييل المزدوجة).. و(التطفيف
في الميزان).. وغيرها من الجرائم صفات لي لقنتها كما يلقن الحمقى والمغفلون.. لقد
كان مشايخي حينها يتلاعبون بعقلي كما شاءت لهم أهواؤهم.. فلهم لكل حادث حديث..
ولكل قضية ميزان خاص بها إلى أن طاش عقلي، وغادرني لبي.
قلت: فما علاقة ذلك باللحوم المسمومة؟
ابتسم، وقال: لقد كانت (اللحوم المسمومة) من جملة العبارات التي كنا نسمعها
كثيرا في مجالسنا مع السلفيين، وكانوا يستخدمونها متى شاءت لهم أهواؤهم، ويتركونها
متى شاءت، من غير منطق ولا موازين.. لا يريدون بذلك إلا إلجام خصومهم وإفحامهم.
قلت: فما الذي يقصدونه منها؟
قال: لقد كانوا يقصدون منها حرمة غيبة العلماء، أو انتقادهم، أو الحديث